تدوين الملاحظات باليد: أداةٌ قويةٌ لتعزيز الذاكرة

هل أنت من الأشخاص الذين يمسكون بأي دفتر وقلم حين الحاجة لهما؟ أم أنك تكنُّ إعجابًا خاصًّا لدفاتر مولسكين وأقلام مون بلان؟

سواءً كنت انتقائيًا أم لا، اعلم أن الأدوات التي تستخدمها بيدك، تستخدمها لدماغك. حيث تعد الملاحظات المدونة باليد أدواتًا قوية لتشفير ما يُعرَف بالإدراك المجسَّد، معززةً بذلك سعة الدماغ على استرجاع المعلومات. كما أنه عندما تدون الملاحظات باليد، تعمل يداك على إنشاء مخزنٍ قوي للذاكرة الخارجية؛ ألا وهو دفترك.

يعدُّ تدوين الملاحظات باليد مكسبًا في جميع الحالات، ويجب أن يكون من ضمن الأدوات التي يستخدمها كل طالب في كسب المعرفة. ويمكن البدء من صفوف الثالث أو الرابع لتعلُّم كيفية تدوين الملاحظات باليد بكفاءة وكيفية جعل تدوين الملاحظات –  كونها أحد أهم الأدوات للتعلم والدراسة – صفةً متأصلة فيه، غير أن الأوان لم يفت وما يزال هناك متَّسع للتعلُّم.    

وكوننا نعيش في عصرٍ تحكمه الرقمية، فإن جميع مهامنا اليومية تتطلب التواصل الرقمي. وبقدر ما هو مهمٌ اكتساب مهارة التلقائية عند الكتابة بلوحة المفاتيح والتطور الذي تشهده أدوات التواصل الرقمي وتطبيقاته وكذلك المكانة التي تحظى بها حاليًا، إلا أن الكتابة بلوحة المفاتيح لا تمنح الدماغ ردود الفعل الحسية مثلما يفعل الاحتكاك بالقلم والورق، وهو العامل الأساسي الذي ينشئ الصلة العصبية بين الدماغ واليد.   

الأفضلية في معالجة المعلومات

قد يبدو جهازك المحمول أسرع وأكثر كفاءةً، إلا أن هناك أسبابًا وجيهةً تدعو لأن يكون لديك دفترٌ وقلمٌ من أي نوعٍ تفضِّله على أهبة الاستعداد.

لا يُستَخدم التدوين لتسجيل الملاحظات فحسب، بل لفهمها كذلك (shutterstock)

فقد وجد الباحثون أن تدوين الملاحظات عن طريق الكتابة على لوحة المفاتيح يستلزم تدوين الملاحظات كلمةً كلمةً؛ بحيث لا يكون هناك أيُّ مجالٍ لمعالجة المعلومات، مما دعاهم لتسمية هذه الطريقة بتدوين الملاحظات “غير المُنتِجة”. في حين يتطلب تدوين الملاحظات باليد ممارسة العقل لمهارات التلخيص وإعادة الصياغة والتنظيم ووضع مخططاتٍ للمفاهيم والمفردات، والتي يمكن اختصارها في تناول المعلومات وتحويلها للوصول إلى فهمٍ أعمق.

بهذه الطريقة، تتحول العملية من تدوين الملاحظات إلى تكوين الملاحظات، والتي تعدُّ مشاركةً فاعلةً لإدراك المراد من المعلومات وفهمها؛ وذلك للتفكُّر فيها لاحقًا أو دراستها أو مشاركتها مع زملاء الدراسة لمقارنة ما فَهِمَه كلُّ شخص. ولعلَّ هذا ما يجعل هذه الاستراتيجية في الدراسة قوية المفعول، ذلك لأنَّها تزيد من ترسيخ فهم الشخص من خلال التحدث

كما توجد قوالب ونماذج لكيفية تدوين الملاحظات باليد باستخدام طرقٍ فاعلة، وإحدى أشهر هذه النماذج هو أسلوب كورنل الذي طوَّره والتر پوك، بروفيسور في التعليم. كما يمكنكم التعرف إلى طرقٍ أخرى يمكن مواءمتها وفقًا لاحتياجاتكم المختلفة في الدراسة، مثل مخططات أو شبكات المقارنة/ التباين.

تدوين الملاحظات ضرورةٌ معرفية

يعتمد تدوين الملاحظات الجيدة على طلاقة اليد في الكتابة، والتي تجمع بين الوضوح والسرعة. ولعلَّ أفضل الطرق لتحقيق ذلك عن طريق الكتابة بخطٍ مرتَّب ومتَّصل والتي يبدأ بتعلُّمها الأطفال في الصف الثاني. كما تأتي طلاقة اليد من خلال التدريس والممارسة في السنوات الأولى من المدرسة، وكذلك من خلال الحصول على فرصٍ مستمرةٍ لممارسة مهارتي القراءة والكتابة ممارسةً حقيقيةً وهادفة والتي بدورها تخصِّص مساحةً من الذاكرة العاملة للمتطلبات المعرفية التي يقتضيها تدوين الملاحظات. 

ويعدُّ الانتقال من الصف الثالث إلى الرابع قفزةً كبيرةً للمتعلِّمين الصغار، حيث تقوم مقررات العلوم والدراسات الاجتماعية واللغة الإنجليزية والفنون والرياضيات بالإسراع في التحوُّل إلى استخدام القراءة والكتابة استخدامًا أكاديميًا عند الأطفال.

وفي كل سنةٍ يتقدَّم فيها الأطفال في السلم التعليمي، تتزايد الحاجة للقراءة والكتابة والفهم واستيعاب كمياتٍ هائلةٍ من المعلومات بصيغٍ متعددة الوسائط. 

الرسم والتخطيط جزءٌ من التدوين كذلك!

كتب ليوناردو دا ڤنتشي “كلما أسهبتَ في دقَّة الوصف، استعصى الفهم على عقل القارئ أكثر وأبعدتَهُ عن معرفة الشيء الذي تصفُهُ. لذلك من الأهمِّية بمكان وضع رسمةٍ… إلى جانب الوصف…” 

لوحة ليوناردو داڤنشي: (Head of The Virgin) (shutterstock)

وعند تصفُّح دفاتر دا ڤنتشي، تتجلَّى السمات التي اتَّسم بها عقله مثل الإبداع والفضول والاختراع، كما تنمُّ دفاتره عن كونه صاحب فنٍ وعلمٍ لا يشَقّ غبارُه وسابقًا لعصره. وقد لاحظ فرجس كريك وروبرت لوكهارت، روَّاد البحوث في علم الأعصاب المعرفي، ثلاثة مستويات لمعالجة المعلومات، وقد عملت نظريتهما على كشف أسرار علم الأعصاب وراء نباهة دا ڤنتشي منذ قرونٍ عدّة.

ويمكن القول إنه عند تمثيل المعرفة بصريًا، مثل استخدام الدورات والعلاقات، يفهم الناس التصوُّرات فهمًا عميقًا. ونتيجةً لذلك، يدعو بعض الباحثين في الإدراك إلى تدريس استخدام طرقٍ مختلفةٍ لتمثيل المعرفة منذ الصغر.

وتُذكَر فلورنس نايتنجيل لإسهاماتها في مجال الطب من خلال الملاحظات المفصَّلة والدقيقة والتوثيق وتدوين الملاحظات والكتابة، كما يُعزى لها اختراع الرسم البياني الدائري لتمثيل المعلومة.

أكلِّفُ طلابي في طور الاستعداد ليصبحوا معلمين، برسم مخططٍ للفصول التي يعملون بها جزءًا من عملهم الميداني. كما يدونون ملاحظاتٍ لما يرصدونه باليد في قالب كورنل. والهدف من هذا الواجب تفسيرُ ما يحدث في الفصل، وتعدُّ هذه الطريقة أساسًا جيدًا يُمكن الرجوع إليه لاحقًا للمراجعة ووضع نظرياتٍ حول عمل المعلمين في الفصول.  

وإذا كانت الكتابة تشكِّل ضرورةً من ضروريات وظيفتك، سواءً كانت في الصحافة أو التعليم أو المعمار أو الهندسة أو غيرها، فإنَّك تدرك الفوائد التي يمكن جنيها من تدوين الملاحظات والرسم وأهميتها كذلك.

ملاحظاتٌ بصيغٍ شتّى

في الحالات التي يكون فيها الفهم العميق والتذكُّر والعثور على صلاتٍ شخصية وتحفيز الأفكار الإبداعية مهمًّا، تعدُّ الملاحظات المكتوبة باليد ذات قيمةٍ وتدوم مع مرور الوقت كذلك.  

ومن الطريف، أنَّ فن كتابة المذكرات أو اليوميات أو المفكرات قد أنشأ أعدادًا كبيرة من المجتمعات على الإنترنت، حيث يجد كثيرون المتعة في الكتابة على التقاويم والمذكرات اليومية والبطاقات والملاحظات ووضع القوائم بشتى أنواعها، وكذلك كتابة قصص العائلة للأجيال القادمة، وكل ذلك باليد، ثم مشاركتها عبر الفضاء الرقمي.

ويشكِّل تدوين الملاحظات للطلبة الذين يتمتعون بالجدِّية حيال دراستهم أداةً معرفيةً ونهجًا لا يمكن الاستغناء عنه. ويعدُّ إنشاء الصلة العصبية للذاكرة والمعنى من خلال الصلة بين الدماغ واليد السبيل إلى إدراك قيمة الملاحظات المكتوبة باليد. لذا، يتعيَّن عليك الآن التفكير مرتين قبل أن تعتمد اعتمادًا كليًّا على جهازك المحمول!


بقلم: هيتي روسنج | ترجمة: بدور الجابرية | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

Exit mobile version