تشكل المدارس بنية أساسية في مجتمعاتنا؛ ففي المدارس يتعلم الأطفال القراءة والكتابة، والغاية من تمكينهم على القراءة هي مساعدتهم بمختلف أعمارهم على الارتقاء بتفكيرهم لمستويات أعلى وتحسين حياتهم.
ولا عجب في أن تعلم القراءة والكتابة هي إحدى الغايات المهمة التي تسعى منظمات التنمية العالمية لتحقيقها. ويُعتقَد بأن “التأثير المضاعف” لتعلم القراءة والكتابة يساهم في تمكين الناس، من خلال تشجيعهم على المشاركة في المجتمع وتحسين معيشتهم.
والحقيقة أن تعلم المهارات الأساسية -كحل المسائل الحسابية في المدرسة مثلا- لا يعني بالضرورة المقدرة على حل المشاكل في الحياة اليومية. فقد أُجريت دراسة تقليدية في نيجيريا، على سبيل المثال، تطرقت إلى ما يمكن أن يتعلمه الأطفال من خلال المهام التشغيلية. ودراسة أخرى في ساحل العاج اختبرت مدى كفاءة الأطفال الذين يقطنون المجتمعات الزراعية (باول) والتجارية (ديولا) في حل المسائل الرياضية. كما استقصت دراسة برازيلية مقدرة بائعي الحلوى الصغار في الطرقات على حل المسائل الرياضية والنسبية. فإذا كان الأطفال قادرين على تعلم مهارات مفيدة خارج المدرسة بما يمكنهم من الحصول على وظيفة وكسب لقمة عيشهم، فما الجدوى من الذهاب للمدرسة وتعلم القراءة والكتابة؟
يقول بعض العلماء بأن تعلم مهارات القراءة والكتابة يصاحبه تأثير أكبر بكثير من تأثير المهارات المكتسبة من الخبرات والمواقف اليومية؛ فهي تتيح لك التفكير من خلال السياقات لبناء حصيلة مهارات إدراكية. بينما يذكر آخرون بأن المدرسة نفسها هي مجرد سياق أيضا ولا تساعد على تنمية تفكيرك.
واستطاعت الدراسة التي أجريتها في الهند تسليط بعض الضوء على هذا الاختلاف الظاهر. ووجدتُ أن تأثير التعليم المدرسي يتراكم بمرور الوقت – حيث يبدأ ببطء بمهارات السمات الفنية للقراءة والكتابة ذات الطابع البسيط، وبمرور الوقت تنبني عليها مهارات أخرى أكثر وأكثر.
وعلى العكس من ذلك، فإن تأثير الخبرات الحياتية على المهارات لا ينبني بالطريقة نفسها- فقد يتعلم الأطفال عمليات عامة كديمومة الكائن وحفظ السائل في وقت مبكر، ولكن بمجرد إتقانهم لها يتوقف مستوى تعليمهم عن الارتفاع تدريجيا.
الاستقصاء
استطعتُ من خلال دراستي التي أجريتُها في شمال شرق الهند إجراء نوع من التجارب لاختبار مدى تأثير التعليم المدرسي على الأداء الإدراكي، ووجدتُ بأن سنوات التعليم المدرسي وسنوات الخبرة الحياتية لا يرتبطان ارتباطا وثيقا ببعضهما، ولذا يمكن دراستهما كل على حدة.
ولكن في الوقت ذاته لا يمكن أن ينطبق ذلك على الدول الغنية؛ وذلك لأنه بمجرد التحاق الطفل بالمدرسة، تصبح السنوات التي يقضيها فيها هي نفسها سنوات عمره. وفي العديد من البلدان المتقدمة، يقتصر الذهاب للمدرسة على الأطفال الناشئين في عائلات غنية. بينما في المنطقة النائية في الهند تحديدا حيث أجريتُ الدراسة، قد تجد طفلين بالعمر نفسه ولكن بمستويات تعليم مختلفة، وقد تجد في الصف واحد مجموعة أطفال بأعمار مختلفة. ولذا مكّن هذا الوضع من ملاحظة النتائج المترتبة على التعليم.
وبذلك عملتُ على دراسة الأطفال أنفسهم قبل ثلاث سنوات من التعليم وبعدها، وبلغ عددهم 181 طفلا. وجميعهم التحقوا بالمدرسة في عمر يتراوح بين 6 – 9 سنوات (في بداية التقييم) ونشأوا في بيئات اقتصادية واجتماعية متشابهة. أما بالنسبة للمهارات التي اختبرتها فكانت مهارات المنطق والمفردات والأشكال والذاكرة والحساب.
وإحدى النتائج التي ظهرت على الفور هي أن أداء الطلاب كان في أفضل حالاته في الاختبارات ذات الصياغة السردية القصصية، على الرغم من أن العمليات الحسابية كانت مشابهة للأنشطة التي يركز عليها التعليم في المدرسة (على سبيل المثال، ما مجموع 3 + 4؟).
وتمثلت النتيجة الرئيسية في أن تأثيرات التعليم بدأت ببطئ ثم تسارعت، في حين أن تأثيرات العمر الزمني بدأت بسرعة ثم تلاشت بمرور الوقت. ويشير هذا التناقض في النمطين إلى الاختلاف الكبير بين التعليم في المدرسة والتعليم من خلال الحياة اليومية؛ فتأثير التعليم في المدرسة يصبح أكبر مع ازدياد سنوات التعليم، ويبدأ بإحداث تغيير فعلي فقط عند قضاء سنوات أكثر في المدرسة.
أهمية القراءة والكتابة
من الضروري تعلم مهارات القراءة والكتابة لتطوير إدراك الأطفال، ولكن لجني ثمارها لا بد من الإصرار على التعليم مع مرور الوقت. ففي المدرسة، يتعلم الأطفال مهارات إدراكية صغيرة، كل على نطاق محدود، ومهارة واحدة في كل مرة. فهي تمهد الأطفال في المدرسة ليتمكنوا من بناء مخزون أكبر من المهارات الصغيرة المرتبطة بمجموعة من المسائل والمهام، على نحو تدريجي و بسلاسة أكثر وأكثر.
ويتمثل أساس التعليم الناجح وإتقان مهارات القراءة والكتابة في القدرة على بناء إنجازات مبكرة. لذا يتوجب على المعلمين منح الأطفال قدرا كافيا من الأنشطة والتحديات مع زيادة مستوى صعوبتها وتعقيدها تدريجيا. وبهذه الطريقة يمكن للمجتمعات الاستفادة من إبقاء أطفالهم في المدرسة لفترة أطول.
ولا يكفي التعليم بقدْر محدود للحصول على التأثيرات التي يتطلع لها وكلاء التنمية. بل على العكس، فإن الإصرار على تعلم القراءة والكتابة ضروري لتحقيق النتيجة المرجوة: توسيع النظر للأمور وفهمها وتحليلها والقدرة على تحمل المسؤولية وإيجاد الحلول.
بقلم: سيمين أ. برويرز | ترجمة: أصالة الناعبية | تدقيق: سحر عثماني | المصدر