إذا أدرك المرء نصف التحديات التي تقع على الفنان، سيتحتم على الجمهور عدم لومه في جوانب تقصيره أو بطء تقدمه. إن الصبر والمثابرة هما مفتاح النجاح لإنتاج أي عمل فني، مع وجود يقين تام وشغف حقيقي وصادق للفن
يطفو قارب بخاري على نهر المسيسيبي، يقترب رويدًا من برجٍ شاهق أعلى الشاطئ، ليس بعيدًا عن مكان استلهم فيه ربان السفينة صموئيل كليمنز لقبه (مارك توين) بعد عقد من الزمان. يتباهى الشباب على متن السفينة بشيءٍ من الملل والوقاحة بقدرتهم على الوصول إلى القمة؛ فيسخر أحدهم من قدرة النساء على فعل ذلك.
أدخلت هارييت هوسمر يديها إلى جيوبها، وابتسامة خبيثة تعلو محياها، وهي تقترح إقامة سباق، مراهِنةً إنها ستصل إلى القمة قبل الجميع. سوف يتذكرها المتفرجون على المشهد -في وقت لاحق- بأنها “التلميذة الرياضية التي تعج بالمرح”. يدفع القبطان بالقارب مستمتعًا؛ فيُبْحِر الجميع. تشق هارييت وصديقاتها طريقهن إلى مناطق خضراء، يصل ارتفاعها إلى خمسمائة قدم فوق النهر، يندفعن بحيوية عبر غابة الصنوبر البكر، يمررن عبر الطحالب، ويختَبئن فوق الصخور المسننة، للوصول أولًا إلى القمة ملوحات بمنديل الانتصار.
أطلق القبطان اسم “هوسمر” على الجبل الشامخ بعد تلك التسلية التي تحولت إلى دهشة! اسم شامخ حتى اليوم، هذا ليس انتصار هارييت هوسمر الأول ضد التوقعات والمعاهدات، وهو أبعد ما يكون عن آخرها.
في الحادية والعشرين من عمرها، منحت نفسها مغامرة لنهر المسيسيبي كمكافأة صيفية صغيرة بعد استكمالها دراستها التشريحية. كانت أحد أهداف هوسمر أن تصبح نحاتة، وكانت واثقة ومميزة في هدفها مثل رهانها على التسلق، في وقتٍ كانت ذاكرتها فيه مكتظة بشهادة من كلية الطب في جامعة سانت لويس.
في سنة 1851 لم تكن أيَّة جامعة أمريكية يحضرها رجال تسمح بقبول النساء رسميًا لعقود قادمة.
هارييت هوسمر (9 أكتوبر 1830 – 21 فبراير 1908) واحدة من أبرز الشخصيات في كتاب Figuiring ( المكتبة العامة)، وأول نحاتة ناجحة في العالم، وأحد أكثر النحاتات شهرة في العالم منذ عصر اليونان القديمة، عالمة الكيمياء التي اخترعت عملية تحويل الحجر الجيري الرخيص إلى الرخام الثمين، لتصبح أسطورة فتحت آفاقًا جديدة للنساء، واستطاعت أن تصنع مكانًا للفن الأمريكي في آلهة العالم القديم، وقدمت للفنانين حياة مليئة بالازدهار، ورؤيةً إبداعيةً لا هوادةَ فيها، ومنحت الثقافة الغريبة مفردات جديدة وجريئة.
بينما كانت تشعر بخيبة أمل من النزعة التجارية المتفشية في أمريكا، ما أثار حفيظة الفنانين في الخريف الذي تلا مغامرتها في نهر المسيسيبي، وكانت قلقة بشأن الفرص الثقافية المحدودة للنساء. التقت هوسمر بالمغتربة شارلوت كوشمان -أبرز ممثلة أمريكية في وقتها- أثناء زيارتها بوسطن ضمن جولتها الوداعية للولايات المتحدة، قبل أن تستقر بشكل دائم في إيطاليا. اتخذت هوسمر قرارًا جذريًا آخر، من شأنه أن يشكل حياتها، بعدما افتتنت بحكايات كوشمان في روما مع عالمها الإبداعي المزدهر، ومجتمعها النابض بالحياة من المغتربين والفنانين الغربيين؛ فقد قررت أن تنتقل إلى روما لتتدرب مع أحد كبار الأساتذة.
قبل أربعة أسابيع من مغادرتها، كتبت في رسالة إلى بطلها، والدها الحبيب -كورنيليا كار- وشخصية الأب لهاتي نفسها:
أنت لا تعلم مدى استيائي لسير حياتي الحالية، ينبغي عليَّ أن أنجز ثلاثة أضعاف ما أفعله الآن، أشعر أن روحي وفكري مقيدان في هذه الأرض بالدولار والسنت. أظن أن جو إيطاليا سيكون أكثر إلهامًا، وأن المرء يصبح أكثر بديهيةً في التفكير هناك. هل يمكن أن نوحد حكومة هذا البلد وامتيازاتها المجيدة مع روعة الفن في إيطاليا؟ عندها سينتج الكمال الأرضي.. سيكون شعاري “عش جيدًا، اصنع جيدًا، وكل شيءٍ سيكون جيدًا
قبل عيد ميلادها الثاني والعشرين بفترة وجيزة، كانت هارييت تحمل دبلوم دراساتها التشريحية ونوعين من نماذجها التمثالية الأولى المشهود لها، مستوحاة من قصيدة تينيسون ومشكَّلة على كورنيليا (تمثال نصفي لهيسبر، النجمة المسائية من الأساطير اليونانية). وأبحرت إلى أوروبا مع والدها الذي كان سيساعدها على الاستقرار. عند وصولها، تابعت هوسمر ما تعتبره “أعز أمنية” على قلبها؛ فدرست مع النحات الإنجليزي العظيم جون جيبسون، الملك غير الرسمي لمجتمع الفنانين المغتربين في روما، والذي تدرب على يد النحات الكلاسيكي الرائد أنطونيو كانوفا.
كان لدى جيبسون العديد من المتقدمين للدراسة لديه، لكنه لم يقبل أيًّا منهم! عندما تواصل معه نحات آخر نيابة عن هوسمر، وأظهر له الألواح الفضية لتمثال هسبر. قد تكون استجابة جيبسون شهادة -في كثير من الأحيان- وزخرفة للسيرة الذاتية في وقتٍ مبكر، أو قد تكون الحقيقة البسيطة في هذه المناسبة: “أرسل لي تلك السيدة الشابة، ستتعلم كل ما بإمكاني تعليمه لها”، وما قام به ما يزال عصيًا على الجدال فيه؛ فقد أخذ هارييت طالبة وحيدة عنده، وأعطاها غرفة في مرسمه، المكان نفسه كان يعمل فيه كانوفا سابقًا، وغمرها بنصحٍ وإرشاد عميقين، كانت تنقل إطراءه لأي شخص كان يستمع إليها “درجة هائلة من العبقرية الفطرية”. أعطاها الكتب والأشرطة والطبعات اللازمة للدراسة وفوَّضها بنسخ تماثيل لإتقان حرفتها. أخذت هوسمر كل ذلك بحماس لا يُهزم مع التزامها بأخلاقيات العمل، وكتبت إلى والد كورنيليا:
يجب على المرء أن يتحلى بباعٍ طويلٍ من الصبر في الأمور الفنية، وهذا صعب للغاية، والنجاح في ذلك لا يتأتى إلا بعد وقت طويل. إذا علم المرء نصف الصعوبات التي يتعين على الفنان التغلب عليها، ومختلف أنواع المعارف الضرورية التي يجب أن يحيط بها الفنان، قبل أن يتمكن من رؤية المسار واضحًا أمامه لينطلق في مسيرته، وقتها سيكون الجمهور أقل استعدادًا للرقابة عليه، بسبب أوجه القصور أو التقدم البطيء. إن المخرج الوحيد الذي أعرفه هو الصبر والمثابرة، مع يقين دائم وحب حقيقي صادق للفن عند إنتاج شيء ما
أصبحت روما صندوق هوسمر لإعادة تكوين الذات، لقد اقترحت الخيمياء الغريبة التي نحوِّل بها أنفسنا القديمة إلى نجوم متألقة، مثلما تزعم أنفسنا الراسخة في هذه اللحظة بالذات. سلسلة الحبال السرية التي تلد بها المرأة من جديد مِرارًا وتَكرارًا تقيدنا بماضينا، وتحررنا من مستقبل جديد. هذه السلسلة غير مرئية، باستثناء اللحظات النادرة التي نشعر فيها بالاطمئنان إلى الذات الحاضرة الواثقة بثقلها الهائل، مع ترقب أيام مراهقتها بالقرب من بوسطن، كتبت هوسمر إلى كورنيليا:
تغيرت حياتي عكس ما كانت عليه آنذاك؛ أصبحت أفكر وأشعر بطريقة مختلفة، يبدو لي أنه كان عليَّ ترك جسدي السابق والعثور على جسم آخر.. هذه التغييرات تجعلني أشعر بأنني أكبر بعشرين عامًا
وفي الوقت نفسه، حصدت ثمار جهدها وتفانيها؛ فبعد عام من الدراسة مع جيبسون، كانت على استعداد لإنشاء أول تمثال لها منذ هيسبر -تمثال آخر لامرأة مستمدة من الأساطير اليونانية القديمة- محمَّلة بمعاني وأسئلة حول وضع المرأة وحقوقها ومصيرها في مجتمع يهيمن عليه الذكور؛ ميدوسا!
وِفْقًا لرواية الأسطورة اليونانية التي اختارتها هوسمر، والتي تروي اغتصاب ميدوسا الجميلة من قِبل إله البحر بوسيدون وقد ارتكبت هذه الجريمة في معبد أثينا، لذا قررت آلهة الحكمة الاستغناء عنها. وفي تذكير رقيق بأن الرجال هم من كتبوا هذه الأساطير، فبدلًا من معاقبة المغتصب، عوقبت ميدوسا؛ لأنها جذبت انتباه بوسيدون، وتحولت البكر الجميلة إلى فتاة مرعبة، لدرجة أن الرجال تحولوا إلى أحجار بعد رؤيتها. في عصر، كان من المستحيل فيه -تقريبًا- محاكمة قضايا الاغتصاب التشريعي في بلاد هوسمر، لم يكن للزوجات أيُّ حق قانوني في رفض ممارسة الجنس مع أزواجهن، وكانت جحافل من الرجال البيض يغتصبون النساء السود، مع إفلات قانوني كامل ومجتمعي من العقاب، بدت هوسمر -خلال نحتها لـ “ميدوسا”- جريئة، والاختيار المثالي لأوجه القصور الشنيعة لنظام عدالة فشل في حماية النساء منذ العصور القديمة، ومجتمع ظل فيه اللوم على الضحايا حتى يومنا هذا.
كانت ميدوسا موضوعًا شائعًا لدى الأساتذة العظماء، لكنها كانت تُعرض في العادة على شكلها الوحشي بعد عقوبة أثينا، لذا اختارت هوسمر أن تجسد لحظة التغيير، فجاء تمثالها، الذي اكتمل في عام 1854، يصور امرأة فخورة وجميلة بدأ شعرها يتحول إلى ثعبان. لقد استلهمت شعر ميدوسا من ثعبان حقيقي التُقِطَ في البرية خارج روما، ولم يكن لديها القلب القاسي لقتل الثعبان؛ فخدَّرته بالكلوروفورم، وأبقت عليه في الجص لثلاث ساعات ونصف، ثم أعادته إلى البرية. تجسد هوسمر “ميدوسا” -اختيارها للموضوع، وتصويرها المثالي، ومعاملتها للثعبان الحي- العلاقة المعقدة بين السلطة والضحية والرحمة التي أصبحت ملموسة.
في العام نفسه، صنعت هوسمر تمثال “دافني” بدافع مماثل، فقد صورت من خلاله اللحظة الأخيرة التي تمكن أبولو من الحورية الجميلة وفي ذات اللحظة تحول جسدها إلى شجرة غار. وهنا امرأة أخرى، اضطرت للتخلي عن أنوثتها وإنسانيتها؛ لتفادي اهتمام الذكور غير المرغوب فيه.
حازت منحوتاتها على إشادة غير مسبوقة، ليس فقط لكونها أنثى شابة، بل لأنها تفتح آفاقًا جديدة للفنانيين، وقد أشادت الصحف بتمثاليْها، دافني وميدوسا، باعتبارهما “دليلًا مقنعًا على عبقريتها ونجاحها”. كتبت الممثلة الإنجليزية الشهيرة، فاني كيمبلي، عن هوسمر، التي تعرفت إليها في ماساتشوستس:
أعتقد أنها سوف تميز نفسها بشكل كبير، ليس لأنها تمتلك موهبة بقدرة فنية استثنائية، ولكن لامتلاكها طاقة ومثابرة وصنعة يد، سمات غالبًا ما تنم على وجود العبقرية..
وفي الوقت عينه، حرص جيبسون على تطعيمها ضد الجانب المظلم المحتوم للنجاح، الغيرة البسيطة التي تتبع دائمًا العبقرية؛ فقدَّم نصيحته للفنانة الشابة:
هناك العديد من العقبات في طريق الشهرة، ولنستطيعَ التغلب عليها وإنتاج أعمال راقية، يجب أن نتمسك بالهدوء؛ فإن أولئك الحاسدين والخبثاء لا يمكن أن يكونوا سعداء على الإطلاق. يجب أن نشعر بالسلام الداخلي؛ لنتمكن من توليد الأفكار الخلاقة. أنا سعيد لأنكِ تنتظرينَ بفارغِ الصبرِ بَدْءَ العمل على التمثال الخاص بكِ؛ إن نفاد الصبر هو الحب، حب الفن؛ فكلما شعرتِ بذلكَ، ازدادت الروحُ الملتهبةُ بالطموحِ وشغفِ التميُّز
سيصبح التمثال الذي تنتظر البدء فيه قطعتها الفنية المميزة؛ إنه تمثال زنوبيا في السلاسل، تكريم لامرأة أخرى تولت مصيرها، وتأمل مؤثر آخر في العلاقة بين السلطة والضحية.
كانت زنوبيا ملكة القرن الثالث لسورية الحالية، أبرز امرأتين قادتا دولا في العصور القديمة، وهي أكثر شراسة من الناحية السياسية من أسطورة كليوباترا، والتي انتهت بصورة مأساوية. بعد قرون عدة، كانت مارجريت فولر قد أمضت سنواتها الأخيرة -والأكثر ازدهارا في روما- تؤلِّف كتابها “عصر المرأة” في القرن التاسع عشر، ربما مع أخذ “زنوبيا” في الاعتبار:
إن تربع أي امرأة على العرش له بصماته على مر العصور. الحياة بين أعين الرجال الفاحصة، إذ يتحفَّز خيالهم في ما يتعلق بإمكانيات المرأة.
كانت زنوبيا امرأة متعلمة وطموحة، من الناحية الفكرية تغزو العقل مثل غزوات الأرض، وقد طورت أجواء ترحيبية للباحثين في بلاطها، واعتنقت المساواة داخل سيادتها، واختلط أناسٌ من خلفيات عرقية وثقافية ودينية مختلفة. في عام 270 م، قادت زنوبيا غزو الإمبراطورية الرومانية؛ فغزت غالبية الشرق الروماني وضمت مصر. على مدار العامين التاليين، واصلت مد إمبراطوريتها، التي ظلت مع ذلك تحت الولاية الاسمية للإمبراطور الروماني، حتى أعلنت في نهاية المطاف استقلالها التام. لكن في الثورة التي تلت ذلك، ساد الجيش الروماني بعد قتال دموي؛ فأسروا زنوبيا ونفوها إلى روما.
ومن خلال اللعب على الخط الفاصل بين الإجلال والدحض، تبنّى تمثال زنوبيا -من نحت هوسمر- صورة موازية جمالية وصورة مرآة مفاهيمية للنحات الشهير العبد الإغريقي باورز، الذي صور إمرأة شابة ضعيفة، على وشك بيعها في مزاد علني. يعد اختيار باورز لإثارة موضوع الاستعباد بالتحديد أمرًا مربكًا، بالنظر إلى أن النحات نفسه كان جزءًا من الأمريكيين الأصليين. لم ينجُ تمثاله الرائع من النقّاد؛ فكان من أبرزهم إليزابيث باريت براوننج، التي قدمت قصيدتها “العبد اليوناني” نقطة مقابلة لتصوير باورز للسلبية المقيتة في مواجهة الاضطهاد، وجون تينيل، المصور الأصلي لأليس في مغامرات “أليس في بلاد العجائب”، الذي نشر رسمًا كاريكاتيريًّا في “بوك” المجلة الشهيرة الساخرة، يصوِّر امرأةً سوداء بالمزاد في موقف تمثال باورز، والمقصود منه أن يكون مماثلًا للعبيد اليونانيين.
غيَّرت هوسمر نظرة الشعوب الأخرى للملكة القديمة؛ فقبل خمس سنوات، مباشرة بعد علاقتها الحميمة مع هيرمان ميلفيل، صور ناثانيل هوثورن في روايته The Blithedale Romance، شخصية تدعى زنوبيا امرأة مرموقة تتمتع بالبراعة والجمال، غارقة في الفخر المفرط، على غرار مارغريت فولر، المرأة التي بدأت حياتها المهنية الأدبية مع قلمها السخي، وتقرر خرابها وغرقها بنفسها. ظهر تفسير حرفي تاريخي في رواية أخرى، نشرت في طفولة هوسمر، للسنة التي توفيت فيها والدتها، وفي تلك الرواية، تم تجريد الملكة في نهاية المطاف من الكرامة وتحولت إلى “زنوبيا في حالة خراب”.
لكن نجاح التمثال أصبح نقطة محورية في الغيرة المهنية التي كانت تدور حول نجم هوسمر الصاعد. زعم مقال مجهول في صحيفة لندن، أن زنوبيا نحته عمال هارييت ولم تنحته هوسمر، وأشار مقال آخر إلى أنه للنحات جيبسون. لم تتردد هوسمر في رفع دعوى ضد التشهير، وطُبِعَت التصحيحات بعدها مباشرة. خلال الدعوى القضائية، اكتشف الناس أن جوزيف موزير -نحات أمريكي آخر مغترب- مصدر هذه الشائعات الخبيثة، كان موزير مسكونٌ بالغيرة لمدة طويلة من هوسمر -الأكثر نجاحًا- وبلغ غضبه ذروته بعد فوزها الأخير في اللجنة لنصب تذكاري كبير للسياسي، توماس هارت بنتون، السيناتور الأطول خدمة في البلاد.
في وقت لاحق، كتبت هوسمر قصيدة ساخرةً لإلقاء الضوء على الحادثة، وأطلقت عليها عنوان “الأغنية الحزينة في المقهى الإغريقي”، تضمنت سطورًا تحدث فيها بعض الرعاة عن الفنانين المشهورين:
لقد حان الوقت يا رفاق!
لنفكر بمحاولة يائسة
وإلا فإن أختنا الفنانة هنا
سوف تدفعنا بعيدًا عن أرضنا
يبدو من الصعب أننا في النهاية
لدينا منافسون في الطين
بعد أن كنا لسنوات سعيدة
نملك كل شيء
هذه الكرامة المتمثلة في امتلاك الذات ضد الوضع الراهن من شأنها أن تكون حافزًا خلف أعمال هوسمر، والقيم الشخصية التي استخرجت منها رخامها. خلال إحدى زياراتها لأمريكا، وإبان حملة لإحياء ذكرى أبراهام لنكولن، ذهبت لسماع خطبة لفيبه آن هانافورد (واحدة من أولى الوزيرات في البلاد)، التقت هوسمر بهانافورد، ورأت فيها فنانة روحية:
احترم كل امرأة تتمتع بالقوة الكافية للخروج من الطريق المهزوم، عندما تشعر بأن مسيرتها تقع في مكان آخر، القوة الكافية للوقوف رغم الضحك والقهقهات خلفها إلا إذا لزم الأمر. هذه حبة الدواء المُرة التي يجب أن نبتلعها جميعًا في البداية، لكني أعتبر هذه الأقراص ضرورية للغاية لإنقاذ الفرد.
زيادة على حياة هوسمر غير العادية والرائعة، يأتي فنها البصري، وحبها الجميل والثقافي، وشجاعتها لتكون “ذاتها” في ثقافة مستبدة، مع طريقة واحدة صحيحة للوجود والمحبة. كلّ فنانة ولدت في تلك الحقبة، وكل شخص مبدع سعى إلى حياة هادفة، وسط ثقافة يكون فيها بأي شكل من الأشكال “الآخر”، وكل شخص غريب يعيش في رغد، في ثقافة لم يتبقَ أيُّ شيءٍ للعيش فيها، فإنه مدين لهاريت هوسمر وجيناتها الرخامية حجر أساس وجود هؤلاء.
بقلم: ماريا بوبوفا | ترجمة: زيانة الرقيشي | تدقيق الترجمة: مريم الغافري | تدقيق لغوي: محمد الشبراوي | تحرير: بسام أبو قصيدة | المصدر