من المترجِم: “الأنا” في الشيوعيّة

الشمال أم الجنوب؟ إنه السؤال الذي يودُ أن يسألك إياه الجميع سواء كنت كوريًا أمريكيًا أو مغتربًا تعيش في كوريا الجنوبية. من أي كوريا أنت؟ في أي كوريا تعيش؟ عادة ما يُرد على هذا السؤال بانزعاجٍ “من الجنوب بالطبع” وهذا لا يعني أنه لا يوجد أحد من الشمال على الإطلاق (يمكن لأهمية هذا السؤال أن تتغير قريبًا وذلك بسبب عدد المنشقين) ولكن بالنسبة للوافدين فإنه من اللامعقول أن يختار أحدهم العيش في كوريا الشمالية، فهي مكان سيء لا يوجد به طعام أو كهرباء، حيثُ يتظاهر الجميع بأنهم سعداء، وحيث تعمل قيادة البلد على نحو أفضل حينما تكون محض أضحوكة، أليس كذلك؟ لا أحد يود أن يكون من كوريا الشمالية، صحيح؟ 

ولكن في زمن ما كانت كوريا الشمالية خيارًا اتخذه العديد من الناس. وبانقضاء هذا الزمن، أصبح من الصعب تخيل أن أحدًا سيختار التوجه شمالًا عبر خط عرض 38، حيث أننا نسخر من أولئك الذين يقحمون أنفسهم ويختارون أن يعيشوا في كوريا الشمالية. ولكن قبل أن تبدأ آلات الدعاية بالعمل على طرفي الحدود، فإن الناس اتخذوا قرارات فرديّة. نتعرف في هذا المقتطف من “أنا شيوعيّ” على حياة هيو يونغ تشول في زمن كانت الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية ما تزال سهلة الاختراق وكان الناس والأفكار في طور التغيُّر، في حين كان هيو نفسه في خضم اتخاذ سلسلة من الخيارات من شأنها أن تؤدي إلى إدانته بالسجن في الجنوب لفترة طويلة.

 لكن أنى لنا أن نحدد الخيار في مثل هذه الحالة؟ هل تمكن الناس فعلًا من اتخاذ قراراتٍ بناءً على معتقدات راسخة بشدة؟ أم أنهم وقعوا في قبضة تيار قوى أكبر؟ تعد الإرادة مسألة حساسة في هذه الفترة من التاريخ الكوري، كما أنها فكرة رئيسية في “أنا شيوعي” بدءًا من العنوان.

أُقتُبست الرواية المصورة من السيرة الذاتية لهيو يونج تشول وهي مبنيّة على تصريحاته التي أدلى بها أثناء المقابلة حيثُ كانت تحمل عنوانًا مختلفًا: لم يغفلني التاريخ قط. يغفل بمعنى أن يخطئ مذنّبًا في اصطدامه بالأرض، أو أن تخطئ رصاصة في إصابة مرماها. تختلف بنية الجمل في العنوانين اختلافًا جوهريًا. تارةً يكون هيو في محل الفاعل مباشرةً، وتارةً يكون المفعول به، أيهما أقرب للحقيقة؟

شرعنا في عملية ترجمة العنوان بانسيابية فائقة. بدأنا بالتساؤل عن الكيفية التي نود بها صياغة العنوان ولكن سرعان ما وجدنا أنفسنا في جدلٍ حول ما إذا ينبغي علينا استبدال العنوان برمّته. بدا أن كل عنوان يرمي لمعنى مختلفٍ تمامًا. في حالة استخراجنا للوحدات النحوية الفردية للنص الأصلي، حصلنا على العبارة الصريحة: أنا شيوعيّ. وحين اختصرناه، بدا أقل حدة ودارجًا أكثر: أنا شيوعيّ. يدفعنا ذلك للتساؤل عما إذا كنا نود أن نصيغه بلغة عاميّة أكثر: I’m a Commie   أنا شيوعيّ، فكّرنا أيضًا في إسقاط الفاعل والفعل معًا، وتسميته شيوعيّ.

لكن التذبذب في اختياراتنا كان يكمن في قضية الخيار الذي اتخذه هيو. هل يعلن هيو في الواقع أنه شيوعيٌ في الوقت الذي يشي عنوان سيرته الذاتية بخلاف ذلك؟ هل كان العنوان ساخرًا؟ هل يجب أن يُقرأ الضمير “أنا” نادر الاستخدام في اللغة الكورية بنفس نبرة الضمير “أنا” في اللغة الإنجليزية  والتي تفضل الممثل المفرد؟ أم هل يجب أن نقرأها كعنصر اختلاف “بالنسبة لي؟ شيوعيّ”.

في مقابلة مع كون اونج باك الذي واءم قصة حياة هيو مع الرواية المصورة، كان يون جو بيونج – رئيس شركة بوري للنشر – هو من اقترح عنوان “أنا شيوعيّ” لأنه اعتقد بأنه يعبر عن هيو بشكل أفضل. اقترح باك في البداية “سارام” والتي تعني إنسان.

هل كان “لم يغفلني التاريخ قط” هو العنوان الذي اختاره هيو؟ هل رأى هيو نفسه في موضع الفاعل أو المفعول به أو ببساطة كأحد أفراد الجنس البشري؟ أم كلها محض توقعات؟

في نهاية المطاف عجزنا عن الاتفاق، اخترنا الخيار الأكثر تحفظًا على أمل الإبقاء على أوسع نطاق من التفسيرات.

ذكر مؤلف الرواية المصورة في المقابلة أيضًا أنه حاول التركيز على العنصر التاريخي بدلًا من الشخوص رغم أن العنوان لا يدعم هذه الفكرة، لكن ما الذي يهم أكثر في هذه الرواية – الشخوص أم الفِكر؟ هل نالت حياة هيو الشرف أكثر بتسليط الضوء على الخيارات التي اتخذها أم على وقوعه كضحية في يد التاريخ؟

سيستمر نقاشنا حول العنوان بلا شك بينما نواصل العمل على ترجمة هذه الرواية المصورة والترويج لها. حتى اللحظة ندرس العنوان الكوري بالفاعل الصغير الضمير “أنا” (나는) متوازنًا مع المسند “أنا شيوعيّ” (공산주의자다). يهدد المسند بتأثر المعنى، ولكن الفاعل راسخ في موضعه. نأمل ألا نفقد “أنا” في الشيوعيّة، أو “الشيوعية” في “أنا”. 


 

بقلم: سورا كيم راسل وجيمي تشانغ | ترجمة: جُهينة اليعربي | تدقيق: لمياء العريمي | المصدر

Exit mobile version