يتذكر الجميع فيلم My Big Fat Greek Wedding 2002. هو قصة فكاهيّة تدور حول صراعات تولا (ابنة عائلة يونانية تقليدية) وهي في رحلة البحث عن الحب والزواج.
في أحد المشاهد تطلب تولا من والدها الإذن للذهاب إلى الكلية، وتقدم حجّة مقنعة (كما تشاهدون أدناه)، لكنّ والدها يجيبها بنبرة مؤثرة “لماذا تريدين أن تتركيني!”
إن ردّه هذا لم يترك لها أملاً لتحقيق مبتغاها؛ فوالدها هو المسيِّر، وكل شيء رهن إشارته، لكن يبدو أن سيطرته هذه لن تدوم طويلاً.
حينها تتدخل والدة تولا وتقول لها “لا عليكِ يا تولا، سأتحدث إلى والدكِ” لكن تولا ترد “أبي صعب المراسِ يا أمي، لقد سمعتِ ما قاله، الرجل الآمر الناهي في البيت”
فترد عليها والدتها، قائلةً “دعيني أخبرك شيئاً يا تولا، إذا كان الرجل الآمر الناهي، فالمرأة هي من يتحكم بتلك الأوامر.”
أعلم أن هذا الفيلم ساخرٌ ويبالغ في إضفاء صبغة نمطية على شخوصه غير أن هذا المشهد الفكاهي يتضمن مبادئ قوية من الجدير الوقوف على أعتابها والتفكير فيها.
أولا، الأم لا تتباها بكونها ربة منزل، فلا حاجة لأن تكون “الآمر والناهي في المنزل”، فهي تدرك أن بوسعها أن تسيّر الأمور بتأثيرها على أفراد أسرتها.
ثانياً، الأم ليست انتهازيّة، فهي لا تريد أن تخدم مصالحها أو أن تطالها منفعة مباشرة من تدخلها، إنما تسعى إلى مساعدة ابنتها على الالتحاق بالكلية.
ضع في الاعتبار أن هذين المفهومين (التواضع والإيثار) هما أساس لكل ما ستقرأه في هذا المقال؛ فنطرح فيه أربع ركائز لتصبح قائداً عن طريق تأثيرك على الآخرين. وانتبه إلى أنه لا جدوى من هذه الركائز ما لم تستند على دعائم هذا الأساس.
في الواقع، لا يمكن تطبيق هذه الركائز ما لم يتم وضعها على أسس من التواضع والإيثار. حيث أن تقبّلك هذه المبادئ سيغير قدرتك على القيادة تمامًا. ستمكنك من التصرف في أي موقف يواجهك – سواء كنت تملك السلطة أم لا.
القيادة بدون سُلطة
أدركتُ مفهوم القيادة بدون سُلطة للمرة الأولى عندما عملت في منظمة ذات هيكل وظيفي ركيك، حيث المشاريع الكبرى أُهملت حتى أصبحت نسياً منسيًّا، وأجواء العمل المشحونة بالقلق والثقة المعدومة، وكلٌّ يعتقد أن الآخر هو سبب الخلل.
كانت تلك الفترة من حياتي صعبة فعلًا، ولم أفقه حينها ما كان عليَّ فعله لتغيير وضعي.
بالطبع لو كنتُ أملك الصلاحية لفعلتُ شيئا حيال هذا الأمر، لكنني لم أكن كذلك. إن الأمر تحت تصرف مديري، لذا كنتُ عاجزاً عن فعل شيء لكن يبدو أنه لم يكن كذلك.
ذكر أحدهم هذا المفهوم، وبدا لي للوهلة الأولى أن شيئا من التناقض يشوبه: كيف يمكن لمن لا يملك أية سُلطة أن يصبح قائداً؟ ثمة أمر مبهم ويثير فضولي في ذلك.
دائماً ما يثير اهتمامي كل ما يدفعني للتفكير “خارج الصندوق”. لكن يا للدهشة! لم تكن هذه فكرة جديدة على الإطلاق، إنها واحدة من الأفكار التي يتم تدريسها على نطاق واسع في الدورات التدريبية الخاصة بالقيادة.
على سبيل المثال، يقول جون ماكسويل (من أبرز مدربي القيادة):
“إن القيادة خيار في متناول يدك. بعبارة أخرى، تنبع القيادة من التأثير الذي تُحدثه حولَك لا من المنصب الذي تشغلُه، لذلك يمكنكَ أن تمارس القيادة على من حولك حتى وإن لم تكن المسؤول.”
العديد من القادة المتضلعين قالوا مثل قول ماكسويل. على سبيل المثال، يقول مايكل هايات:
“إن القيادة تُعنى بالتأثير وليس بالسيطرة، أنا لستُ أول من يُدلي بهذه الملاحظة، لكنّها جديرة بتكرار الطرح… من الأفضل للقادة الطموحين التوقف عن التركيز على السيطرة ومعرفة كيفية زيادة تأثيرهم .. “
هذا هو تماماً ما يتلاءم مع شخصيتي: أن أركز على الأشياء التي لا يمكنني تغييرها (المنصب الذي أشغله في المؤسسة) وليس على ما هو في متناول يدي (مقدرتي على التأثير). تشير الصورة التقليدية للقيادة أن التغيير يبدأ من صغار الموظفين، بينما كنتُ أعتقد أن تغيير وضعي يتطلب طريقة واحدة وهي التأثير النابع من المسؤولين .
سرعان ما أدركت أنه لا فائدة من الانتظار حتى أصبح ذا مكانة عالية تمكّنني من إحداث تغيير. ما الجدوى من ذلك؟
لا تنتظر الفرصة حتى تأتيك، اخلقها بنفسك. ابدأ بتغيير الأمور من حولك الآن. ستندهش إلى أي مدى ستأخذك خطوات بسيطة في الاتجاه الصحيح. كما قال لاو تزو الشهير:
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. لاو تزو
أربع ركائز لزيادة تأثيرك
إن هذا المقال هو نتاج كل ما تعلمته خلال الخمسة عشر عامًا الماضية حول موضوع القيادة من خلال التأثير، وتلخيصه في أربعة مبادئ أو ركائز قابلة للتنفيذ. لقد طبقتُ هذه الركائز لفترة طويلة وقد أحسنت التصرف في العديد من المواقف بفضلها.
في بداية مشواري المهني –حينما كنتُ عبارة عن موظف لا يحمل أي سلطة- أعطوني القدرة على التأثير في اتجاه مسار المؤسسة التي كنت أعمل فيها.
على الرغم من أنني اليوم أشغل منصباً إدارياً وتأثيري في المؤسسة أصبح أعلى نسبياً، إلا أنني ما زلت أستخدم هذه الركائز بالقدر نفسه.
ما أود أن أشير له هو أن هذا الكلام يحمل في طيّاته الكثير، حيث أن هذه الركائز بمقدورها أن تنظّم عملية التفاعل البشري، وبالتالي فهي قابلة للتطبيق دائمًا. لذا يمكنك توظيفها لتصبح قائداً من خلال التأثير على الآخرين.
ذلك لأن هذه الركائز تمكّنك من كسب قلوب الناس، وتلهمهم لاتّباعك راغبين لا مكرهين.
إن استخدام هذه الركائز يعدُّ أفضل من إعمال السلطة والصلاحيات لممارسة القيادة؛ لأن الناس حينما يتّبعونك عن قناعة سيقدّمون أفضل ما لديهم، بينما لو كانوا مُكرهين سيبذلون الحد الأدنى من جهدهم بالقدر الذي يجعلهم فقط يفلتون من المهمة الموكلة إليهم.
1. بناء الثقة: الثقة فوق كل اعتبار
لا شيء يدفع الناس لاتّباعك لولا وجود الثقة. قد تملك موهبة مذهلة، وشهادات استثنائية، وقد يكون كل ما تقوله “صحيحاً” لكن إذا افتقرت لثقة الناس فلن يتبعك أحد.
الثقة ليست فعلًا أو مهارة تضيفها لسيرتك الذاتية، إنما هي شعور يملكه الآخرون تجاهك. يأتي هذا الشعور من شيئين:
- اعتقادهم بأنك تعطي الأولوية لمصالحهم واهتماماتهم.
- ثقتهم بك بأنك قادر على مساعدتهم.
من الطرق الجيدة لبناء هذه الثقة هي أن تطلب من الناس النصيحة وأن تستمع لرأيهم (الجميع يقدّرون من يأخذ بمشورتهم)، وأن تكترث لشؤونهم (وهذا يؤكد لهم جدارتك بأن تكون مسؤولاً)، وأن تكون صادقاً معهم دائما (هذا يبين لهم أنك لا تملك دوافع خفية).
اعتبر أن الثقة هي الجسر الذي يربطك بالآخرين؛ دونها لن يتّبعوك.
عندما تبني ثقةً مع الأشخاص من حولك – سواء كانوا رؤساءك أو زملاءك أو مرؤوسيك – فهذا يزيد من تأثيرك داخل مؤسستك، لهذا يجب أن تأتي الثقة أولاً.
هذا التأثير هو المفتاح حيث يمنحك الفرصة لقيادة الآخرين نحو الطريق الصحيح.
التطبيق العملي:
قول وفعل:
أتذكرُ جيداً أنه ثمة امرأة واحدة (دون أن أذكر اسمها) شديدة المنافسة لي. كانت تحاول زعزعة مكانتي باستمرار، وفي المقابل تتفاخر بأفعالها لتبدو أفضل مني وتتفوق عليَّ.
كما أن منصبها أعلى من منصبي، لكنها لم تكن مديرتي المباشرة.
تكمن المشكلة في أنها محط ثقة لدى مديري، حتى أنه يُسلّم بكل ما تخبره به دون الحاجة للتحقق من كلامها، على الرغم من أنه يظل قابعاً في مكتبه طوال اليوم.
ما يحدث لم يكن عدلاً، كما أنه سبّب لي الإحباط، لكنني لم أترك لها مجالاً لتنتشل أفضل ما لديّ. قررتُ أن أتصرف بعقلانيةً أكبر بدلاً من مواجهة الأمر بطريقة اعتيادية. ربما لم أتمكن وقتها من التغلب عليها، ولكن استطعت أن اُحسن التصرف وأتحكم في ردود أفعالي.
إليكم ما فعلتُه، بدأت باستشارتها في المشاريع التي كنت أعمل عليها.
لقد أذهلها ما قمتُ به، حتى أنها لم تكن تعرف ما الذي يجدر بها أن تفعله، فكفَّتا عقلها تتأرجحان بين تساؤلٍ “ما الذي ينوي فعله؟” وطمأنة للنفس “هو يحتاج لمشورتي بالفعل”.
لكنني لم أدعْ الفرص تضيع مني، ركّزتُ على هدفي الأكبر وهو أن أزيد مقدرتي على التأثير وبالتالي تغيير وضعي.
نويتُ التصالح معها بصدق، لقد بذلتُ قصارى جهدي، وكان ذلك واضحاً بجلاء، لو لم يكن الأمر كذلك لما حققتُ مبتغاي. لقد كان هذا أصعب جزء في المهمة.
واظبتُ على بذل جهدي حتى تحقق ما كنتُ أطمحُ إليه! لقد تغير كل شيء عندما كسبتُ ثقتها، فلم أعد أشعر بوطأة منافستها لي في العمل، حتى أنها كانت تنسبُ إليَّ الفضل في الأعمال التي أنجزها (من كان يعلم أن هذا سيحدث؟)
2. أنشئ طريقاً: قوة التواصل
مِن الغرابة أن تجد في كل مؤسسة أشخاصاً يمارسون مختلف أنواع الأنشطة، لكن دون مشاركة، لا تبدو غايتهم واحدة.
إن تفسير ذلك هو الافتقار إلى التواصل. عند مرحلة معينة نجد أن جميعنا مذنب على اختلاف السبب.
ربما يحدث ذلك لأننا لا نُطلع مسؤولنا (أو الآخرين) على المشكلات التي تواجهنا؛ لأننا نعتقد بأنها قد تزعجهم، أو تُظهرنا على أننا عاجزين عن التعامل معها. أو ربما نملك تصوراً كاملاً لمشروعٍ ما، لكننا غير قادرين على معرفة ما يتصوره أو يخطط له الآخرون. أحياناً يحُول الانشغال بيننا وبين مقدرتنا على التواصل كما يجب.
أياً كان السبب، فإن الافتقار للتواصل يؤدي إلى ضياع الفرص.
إذا كانت الثقة هي الجسر الذي يجعلك على اتصال بالآخرين، فإن التواصل هو المركبة التي تُمكّنك من ترتيب خطة العمل وتحقيق الأهداف المرجوة بما يتناسب مع من حولك.
من الجيّد أن الجميع يستطيع تطبيق هذه الركائز، فمنصبك لا يشكّل أي عائق طالما أنك تحظى بثقة الآخرين، بالإضافة إلى وجود وسيلة متاحة للتواصل.
ثمّة طرق للبقاء على اتصال بمن حولك، منها إرسال رسائل بريد إلكتروني بشكل مستمر؛ والاستفادة من علاقات اجتماعية قائمة (أو بدء أخرى جديدة)، كما يمكن استخدامها للتخطيط لجلسات فردية مع المسؤولين، أو حتى لمجرد الإدلاء بملاحظات حول مستجدات العمل.
آلية التواصل ليست مهمة (ستدرك المكان والوقت المناسبين) بقدر المبادرة بالتواصل مع الآخرين.
إن التواصل جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لكن حينما يصبح التواصل وسيلة لتمهيد الطريق للجميع لتحقيق هدف مشترك فإنه يمنحك قوة للتغلب على أي موقف صعب.
التطبيق العملي:
قول وفعل:
في بداية مشواري المهني كانت لديَّ رغبة عارمة بأن أُبدي موقفَ ألّا مانع لديّ للقيام بأي عمل، كنتُ دائما أقبل المشاريع الجديدة ولم أتوانَ في قبول أي منها.
المشكلة التي كنتُ أواجهها هي اعتقادي بأني قادر على الإنجاز رغم ضغط العمل، وقد كنت مخطئاً في ذلك؛ لأنني أفتقر لمهارة إدارة الوقت.
لم تكن 24 ساعة كافية بالنسبة لي. كان لديَّ الكثير لأنجزه. وعلى الرغم من أنني بحاجة لمساعدة إلا أنني حاولت القيام بكامل العمل بمفردي كأي شخص عنيد واثق من قدراته- لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً.
بدأ موعد تسليم العمل بالاقتراب وكنت على وشك الفشل في الانتهاء من العمل في الوقت المحدد حينما أعلنتُ عن حاجتي للمساعدة.
قررتُ حينها الاستفادة من إمكانية التواصل، فأرسلت بريداً إلكترونياً للمسؤولين لاطلاعهم على ما أنجزته وما تبقى من الأعمال.
النتيجة …
كلّفوا أشخاصاً إضافيين لمساعدتي، فتمكنَّا من إنجاز العمل في الوقت المحدد. حسنا .. لم يكن ذلك سيئا للغاية.
من منظور ’مسؤول‘ يمكنني القول بأن التواصل مع الآخرين من أجل طلب المساعدة يعد تصرفاً صائباً.
علاوة على ذلك، ستبدو كشخصٍ مثابرٍ عند تقديم تقرير الأداء حيث سيعتقدون أنك موظف جدير ومسؤول، كما أنك مُبادر وتحرص دائما على إطلاع الإدارة على أحدث المستجدات.
3. اخلق روح الدافعية: تصرّف وسيحذوا الآخرون حذوك
من الأمور التي تثير استغرابي هو أنه ثمة أشخاص يملكون أفكاراً جيدة، ويعرفون كيفية القيام بعمل ما بشكل أفضل، لكن رغم ذلك لا يتصرفون بناءً على معرفتهم هذه.
يبررون موقفهم هذا قائلين بأنهم لا يرغبون في إزعاج الآخرين، أو أنهم غير متأكدين بأنه مسموح لهم بالتصرف في هذه الأعمال.
في بعض الأحيان يجدر بك أن تثق بغرائزك في هذه المواقف، فإذا خطرت ببالك فكرة جيدة، اطرحها على الآخرين، فقد تبدو جيدة بالنسبة لهم أيضاً.
من الجدير الإشارة مرة أخرى إلى أنه إذا كنتَ في حيرة من أمرك حيال التصرف في عمل ما أم لا، فمن الأفضل أن تختار أن تتصرف بالتأكيد.
تصرفك هذا لن يحفز الآخرين على أن يتّبعوك فقط، إنما سيدفعهم لتنفيذ فكرتك.
التصرف أو اتخاذ إجراءٍ ما هو محرك التغيير، حتى أنه لمن المدهش كيف أن التصرف بناءً على أفكارك يحفز الآخرين على اتّباعك.
هكذا تخلق روح الدافعية. عندما يشهد الجميع على نجاح أفكارك، سيتبعونك لأنهم يرغبون في أن يصبحوا ناجحين أيضاً، سيقولون لأنفسهم “طالما أن بوسعه تحقيق ذلك، فبإمكاننا نحن أيضاً تحقيقه”
إذن لماذا تنتظر أن يمهد لك الآخرون الطريق طالما أنك تملك القدرة على العمل وفقاً لأفكارك الجيدة؟ أنت تستطيع فعل ذلك حتى لو لم تملك صلاحيات المسؤول.
التطبيق العملي:
قول وفعل:
أحد الأمثلة التي تتبادر إلى الذهن هي عندما أصدرت المؤسسة التي أعمل بها وثيقة استراتيجية شاملة. لقد كان هذا حينما كنت مجرد موظف.
قرأتُ مستند الوثيقة حالي كحال سائر الموظفين، لكن تبلور أمر في عقلي؛ فحينما قرأتها لم أرَ فقط استراتيجية نظريّة، بل فكّرت في طرقٍ عمليّة لتطبيق الاستراتيجية ضمن القسم الذي كنت أعمل فيه.
لقد كانت تحدثني نفسي بأن هذه مهمة إدارة المؤسسة وليس الموظفين أمثالي، لكنني في المقابل قلت إن لم أفعل هذا فمن سيفعل؟
ما الذي ستفعله لو كنتَ مكاني؟
قررتُ المضيَّ في الأمر قُدُمًا، وقد نجح الأمر بالفعل! لم تقتصر جهودي فقط على ربط القسم الذي أعمل فيه برؤية تنظيمية واسعة النطاق، بل جعلت الطاقم الإداري يبدو عبقرياً.
لقد نسبت الإدارة ما حققته لها، حيث أوضحت أن الفضل يعود لقسم “توجيه القوى العاملة” في إنجاز ذلك. (إنه لمن الصعب أن تكون في موضع القيادة دون أن تملك السلطة) لكنهم كانوا سخيين في مكافأتي؛ فقد عملوا على زيادة أجري في نهاية العام، بالإضافة إلى أنهم مهّدوا الطريق لي حتى أحصل على ترقية. في نهاية المطاف، أعتقد أن ما كنتُ أصبو إليه قد تحقق.
تذكّر .. كل ما في الأمر هو أن تفكّر بشكل أوسع وأعمق!
عندما رأى الآخرون ما حققته، حرصوا على فعل الأمر ذاته. بدأوا في تنفيذ أفكارهم الخاصة، وبذل جهود من أجل تشكيل استراتيجية تنظيمية أوسع نطاقاً. وأثمرت جهود العديد منهم.
كل ما يتطلبه الأمر هو أن يخطو شخص واحد خطوة جريئة حتى يلحق به الآخرون. لماذا لا تكون أنت من يمهد الطريق للآخرين؟
4. حثّ على الإيمان: جدْ الغاية الأسمى
إن آخر وأهم طريقة للقيادة عن طريق التأثير هي أن تحث الآخرين على الإيمان من خلال مساعدتهم في العثور على الغاية الأسمى لعملهم.
في الجيش ثمة إحساس بالواجب تجاه ولائك لزملائك، ومهمتك، وبلدك يفوق مصالحك وأهدافك الشخصية.
نجد هذه الميزة الحسنة في رجال الإطفاء ورجال الشرطة وحتى المسعفين، حينما يخاطرون بحياتهم لمجابهة المواقف الصعبة من أجل الحفاظ على حياة الناس.
إن السبب وراء مخاطرة هؤلاء الأبطال بأنفسهم هو إيمانهم بأهمية عملهم، لذلك يسعون دائماً إلى بذل قصارى جهدهم.
قد تكون نسبة الخطر في عالم الأعمال التجارية أقل بكثير، لكن جميعنا نملك القدرة ذاتها في حثّ الآخرين على الإيمان بعملهم.
في الحقيقة، يجب أن يشعر الجميع بدايةً من المحاسبين، مرورا بمطوري البرامج، وصولاً إلى محترفي التسويق بالغاية (الشعور بالأهمية) تجاه ما يؤدونه من عمل.
إن مَن يمكنه العثور على الهدف (وحث الآخرين على الإيمان به) سيجذب الجميع نحوه؛ لأنه بتأثيره عليهم سيكون مصدر إلهام لهم.
يتمتع جميع القادة العظماء بهذه الميزة، ولم يكتسبوها بعد أن حازوا على مناصبهم، بل كانت لديهم منذ البداية.
الأشخاص من أمثال مارتن لوثر كنغ، وونستون تشرتشل، والأم تيريزا لم تزدد قدرتهم على إلهام الآخرين بعد أن اعتلوا المنصة وأصبحوا زعماء، إنما مُنحوا الزعامة احتفاءً بكونهم مصدراً للإلهام.
إذا كانت الدافعية هي المحرك الذي يحفز الناس للعمل، فالإيمان هو الوقود الذي يضمن استمرارية تقدمهم نحو تحقيق غايات تتعدى مصالحهم الشخصية.
ربما تفكر الآن في أنَّ كل ما ذكرتُه سابقاً ينطبق على أولئك الذين يجدون حلولا لمشكلات كبيرة كالظلم أو الفقر، لكن ماذا بشأننا نحن الأفراد العاديون؟ كيف يمكن العثور على الغاية من الأعمال التي نمارسها؟ كمهنة المحاسبة مثلاً، ما الغاية المرجوة منها؟
سؤالٌ جيد! إليك أفضل إجابة لديّ
استمعتُ مؤخراً لمقابلة ملهمة من جيم ويدل –الشريك الإداري في شركة إدوارد جونز- (شركة استثمارية ضمن قائمة أكثر 100 شركة ثراءً) حيث وصف جيم وظيفة المحاسبة في شركته بأنها أعظم من أن يكون مجرد شخص يجيد التعامل مع الأرقام ويولي اهتماماً كبيراً للتفاصيل.
أشار جيم إلى أن الذين يعملون في المحاسبة يساعدون الناس حتى يلتحق أبناؤهم بالكلية، وفي الاستعداد للتقاعد، وفي ترك الإرث لعائلاتهم. وهكذا يكون جيم قد بلغ الغاية من كونه محاسباً، وحثّ الناس على الإيمان بهذه الغاية.
إن الناس يرغبون في الإحساس بأن ما يقومون به ذا قيمة. إذا كنتَ قادراً على بث هذا الشعور في الآخرين، سوف تصبح مميزاً، كما سيجعل هذا منك قائداً عظيماً. إذا أحسنتَ تطبيق هذه الركيزة (بالإضافة إلى الركائز الأخرى) سرعان ما ستصبح السلطة هي آخر اهتماماتك لأن كل شيء سيكون تحت تصرفك.
التطبيق العملي:
قول وفعل:
غالباً ما أطبّق هذه الركيزة بحماس حينما تخطر لي أفكار جديدة أو عندما أقترح نهجاً جديداً. لا يغيب عن التفاؤل والحماس أبدًا.
توصّلتُ إلى أن الحماس للقيام بعملٍ ما يؤثر على الآخرين.
إليك هذا المثال الذي حدث معي حينما كنتُ موظفا، كنتُ أحاول التوفيق بين وحدة العمل المباشرة و الاستراتيجية واسعة النطاق للمنظمة التي كنتُ أعمل فيها، اضطررتُ إلى إشراك عددٍ من الأشخاص في العمل حتى أتمكن من تحقيق الهدف، ما دفع الزملاء والمسؤولين لبذل قصارى جهدهم هو إيمانهم بأهمية العمل الذي نقوم به.
لقد حققتُ ذلك لأنني أطْلعتُ الجميع على الغاية أو المغزى من هذا العمل، لقد كنتُ أحثهم بكل حيويّة على الإيمان بأن ما نقوم به ذا معنى كبير.
أصبح العديد منهم يسعى للقيام بأمرٍ ذا جدوى، وأعتقد أن السر وراء ذلك هو ما كنتُ أبديه من حماس، وهو أيضا ما أكسبهم الثقة في نهاية المطاف.
بالإضافة إلى ذلك، استطاع كثير من الموظفين الخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم لينضموا إليّ – وأنا الذي كنتُ موظفًا عاديًّا لا يملك أي سُلطة- في التصدي لأكبر التحديات التي تواجهها المنظمة.
لقد حدث ذلك كله بفعل التأثير، فكل ما تطلبه الأمر هو الإيمان بالعمل الذي نقوم به.
هذا كل شيء!
آمل أن تكون هذه النصائح مفيدة، وأن تكون دافعاً لك لتحقيق أهدافك في مضماري العمل وفي الحياة الاعتيادية.
بقلم: مات راسل | ترجمة: جهينة اليعربية | تدقيق: سحر عثماني | المصدر