كيفَ تُشَكِّلُ اللغاتُ طريقةَ تفكيرِنا؟

تعرّف أكثر إلى كيف يمكن للغة أن تحدد الطريقة التي ندرك بها العالم ونشعر بها تجاهه. 

إن العدد الهائل من اللغات واللهجات حول العالم يدعو للدهشة، وحينما نتفكر في اللغات القديمة والمنسيّة يصبح الأمر أكثر إدهاشا. أصبح بإمكاننا اليوم الوصول إلى مختلف اللغات أكثر من أي وقتٍ مضى.

إننا معرّضون لمحتوى لغوي متنوع سواء أكنا نشاهد فيلمًا أجنبيًا أو نقضي العطلة في الخارج. تعتبر الكثير من الدول مراكز للتعدد الثقافي، حيث تسكنها شعوب من خلفيات متباينة ويتحدثون لغات مختلفة. خذ مثالا المدن المعروفة كنيويورك أو لندن! 

حينما نتأمل هذه المدن المتنوعة والمتعددة ثقافيًا فإنه حري بنا أن نستحضر اللغة ونتساءل عن تأثيرها على الطريقة التي ننظر بها للعالم؟

الكلمات

إن اللغات عناصر حيّة؛ مما يعني أن مفرداتها قابلة للتغير مع الوقت. بالإضافة إلى ذلك، إن العديد من المجتمعات قد تتحدث في الواقع بطرقٍ مختلفة بسبب تعدد اللهجات المتفرعة وغيرها من العوامل اللغوية. على سبيل المثال، قد يعبر فئة الشباب عن أفكارهم بصورة مختلفة مقارنةً بالجيل الأكبر منهم سنًا. تؤثر الثقافة والبيئة من حولنا بشكل مباشر على لغتنا. إنه مجال دراسة جذّاب – أي تأثير البيئة والثقافة على اللغة – ما زال في مراحله المبكرة.

الألوان

تؤثر اللغة التي نتحدثها على العديد من العناصر من حولنا، حيث يمكنها أن تؤثر على طريقتنا في فهم الأوقات والأمكنة وبل حتى الألوان!

ثمة دراسة حديثة قارنت بين مختلف تصورات  الناس عن اللون الأزرق. إن الأفراد من الدول التي تتحدث اللغة الإنجليزية لم يتمكنوا من التعرف إلى التغير في تدرج اللون من الأزرق الفاتح إلى الأزرق الغامق، بينما تمكّن بسهولة أولئك الذي يتحدثون الروسية من تمييز التغيير الواضح في اللون. في المقابل تشير الدراسة إلى أن المشاركين الذين يتحدثون الروسية تمكنوا من التعرف إلى التغير الواضح للون بسهولة وسرعة، ما هو السبب؟ من الممكن أن يكون ثمة كلمات مختلفة تصف درجات اللون الأزرق بشكل خاص، وأن لغتهم على درجة من العمق حيث تحتوي على أوصاف للدرجات المتنوعة للون بدلًا من وصف جميع الدرجات بنفس الكلمة.

يبدو أن الأشخاص الذين يتحدثون عدة لغات قادرون على التركيز على عناصر مختلفة بناءً على مخزونهم من الكلمات والجمل وهو ما يؤثر على عمليّة التفكير الخاصة بنا وعلى مشاعرنا.

المكان والزمان

هناك دراسة حديثة تركز على أحد المجتمعات الأسترالية من السكان الأصليين والتي لا يستخدم أفرادها كلمتي “يمين” و “يسار”، حيث يستخدمون بدلا من ذلك اتجاهات البوصلة في تفاعلاتهم اليومية. مثلا، في كل مرة يحييون بعضهم البعض يردون التحية باستخدام الاتجاه الذين كانوا يسيرون إليه. في المقابل لا يعتمد متحدثو اللغة الإنجليزية على تلك الطريقة، وحتى إذا سُئل متحدث بالإنجليزية عن الاتجاهات، فإنه سيضمّن دائمًا كلمتي “يمين” و “يسار” بدلًا من”غرب” أو “شمال”.

خلاصة القول إن استخدام هؤلاء السكان الأصليين لاتجاهات البوصلة له تأثير كبير على الكيفية التي يتحركون بها في الطبيعة.

الجنس

يلعب الجنس دورًا كبيرًا في لغات كثيرة متجذرة من ثقافات متباينة. الأسماء في لغات مثل الألمانية والإيطالية والإسبانية تراعى فيها الفروق الجنسية، حيث يعني ذلك أنه يوجد كلمات للمذكر والمؤنث بدلا من استخدام كلمات محايدة. على سبيل المثال الكلمة الإيطالية لـ “خمر” هي “vino” وهي لفظة مذكرة. أما الكلمة “Birra” والتي تعني “جعة” هي لفظة مؤنثة.

تشير الدراسة إلى أن الكيفية التي يصف بها المتحدثون الأصليون الأشياء تعتمد على الفروقات الجنسية. على سبيل المثال يمكن وصف كلمة “vino” للشيء القوي والضخم، وهي كلمات تميل للمذكر أكثر، بينما “Birra” للشيء الخفيف والفوّار وهي صفات تميل للمؤنث أكثر. 

ختامًا ومجددا، يصبح من الجلي أن اللغة تؤثر بشكل كبير على طريقة تفكيرنا ووصفنا وشعورنا تجاه العالم.


بقلم: ليرا بوروديتسكي | ترجمة: جهينة اليعربية | تدقيق: حاتم العامري | المصدر

Exit mobile version