فن تحسين الحياة بروِيَّة

عندما نريد تطوير أنفسنا، فإننا غالبا ما نسعى وراء تغييرٍ دراماتيكي حتى وإن لم يحقق لنا عدا قدر ضئيل من النجاح. 

 لكن أليس من الأفضل السعي وراء تنمية تدريجية للذات؟

دائما ما يفتش الأشخاص ذوو الدافعية الذاتية عن نقاط ضعفهم. وليس من الغريبِ القول إن ثمة أناس بيننا يسعون إلى الكمال؛ أيْ أن يصبحوا كائنات لبيبة ومتيقظة تتخذ القرارات الصائبة في وقتها تماما. على أننا تعلمنا من مسلسل ستار تِرِكْ ألا نتطلع إلى تجاهل إحساسنا أيضا لنصبح مثل السيد سبوك. كل ما نريده بالفعل هو قدرٌ كافٍ من الأحاسيس في الحياة.

“يضخِّم الناس عادة ما يمكنهم إنجازه على مدى عام واحد، إلا أنهم يستصغرون ما يمكنهم إنجازه خلال خمس سنوات”. | بيتر دراكر

إن كنَّا من بومِ الليل (اليقِظِين ليلا)، سنسعى لنكون من المُبكِرين (فعلها بِن فرانكلين). إن كنا ممن يسوِّفون أعمالهم، سنتطلع إلى أن نكون من المُنجِزين. إن كنا ممن يتأخرون عن الاجتماعات، سنود لو نحضرها مبكرا. وكل ذلك للحدِّ من نقاط ضعفنا وتحقيق أنفسنا أكثر بقليل.

هذا بلا شك هدفٌ سَامٍ. إلا أن ثمة مشكلة مشتركة يواجهها تقريبا كل أصحاب الدافعية الذاتية: في الحقيقة، نحن لا نفي بوعودنا للالتزام بما يجعلنا أفضل. إننا لا نبذل جهدًا ولا نمرُّ بأوقات صعبة، بل أصبحت تصرفاتنا آلية مثل الروبوتات. ننهض في الثامنة والنصف صباحا إن قلنا سنستيقظ في الخامسة والنصف. سنترك كتابة مقال ما للحظة الأخيرة حتى وإن قلنا إن ذلك لن يتكرر. نتأخر خمس دقائق. لن نتحلى بالحكمة إطلاقا، ويجعلنا فشلنا في بلوغها نشعر بأننا أقل مما نحن عليه.

والسبب وراء ذلك هو ظننا بأن على التغييرات المهمة أن تحدث بسرعة؛ سواء أكنت تريد تغيير موعد استيقاظك أو الإلمام بسيكولوجية سوء التقديرِ البشري وتطبيقها. تحدث كل الأشياء المهمة على مهل.

من احتمالية الاستفادة إلى الاستفادة

لمَ ينبغي أن تحدث التغييرات بسرعة أساسًا؟

إن كنت ترغب في التعمق في فهم سيكولوجية سوء التقدير البشري وتطبيقها في تعاملاتك، فستتجاوز أقرانك ونفسك السابقة. من المفيد جدًا فهم طبيعة الإنسان . لكن يتطلب ذلك إجراء دراسات عميقة باستمرار ويستغرق فترة مخاضٍ طويلة، وتطبيقِ الأفكار وأخذ المشورة فيها، ونسيانها، وإعادة الكرة من جديد، وعدم الاستسلام بعد النسيان أو الفشل؛ فنحن نكتسب العادات والأفكار بواسطة عملية الصقلِ.

النموذج المرئي والعقلي للتطوير الذاتي الذي أفضله هو تخيل الأمر مثل المخرطة.

المخرطة بالنسبة لغير المهندسين هي أداة لصقل مادة ما إلى شكل معين. قد يستخدمها الميكانيكي  لتحويل قطعة كبيرة من المعدن إلى جزء مفيد للمحرك على سبيل المثال. تحول المخرطة الشيء من مجرد احتمال أن يكون مفيدا إلى شيء مفيد بالفعل بصقله وإزالة الزوائد.

وحسبما أرى، إنْ استطعنا أن نصبح أفضل وأكثر حكمة بنسبة 5% كل عام، فهذا يعني بأن حكمتنا ستتضاعف عما هي عليه الآن خلال 15 عامًا (هيا، أمسك حاسبتك). في أقل من 30 عاما، سنصبح أكثر حكمة 4 مرات مما نحن عليه الآن. وهذه هي الطريقة التي يتفوق بها غير الموهوبين منا على من هم أكثر ذكاء.

تؤدي التحسينات البسيطة إلى تغييرات هائلة.

نحن نريد القيام بأعمال شتَّى بالإضافة إلى كسبِ المال. ونودُّ لو نتحلى بالحكمة الدنيوية كذلك.

ونقوم بهذه الخدع العقلية البسيطة مثل المخرطة والتطوير بنسبة 5% سنويا، لنذكِّر أنفسنا بأننا لن نستيقظ من النوم صباح الغد لنجد أنفسنا أكثر حكمة، أو طيبة، أو صحة، أو ذكاء. وبنفس القدر من الأهمية، إن تخلينا عن هدف وضعناه أو نسينا شيئا تعلمناه، فهذا لا يعني بأنها نهاية العالم! لا ينبغي علينا أن نستسلم وأن نفقد أملنا. كل ما علينا فعله هو إدراك مصادرِ الزلل تحديدا ومضاعفة جهودنا، ثم المحاولة مرة أخرى. كل ما نحن بحاجته هو 5% من التحسينِ سنويا لتصبح حياتنا أفضل بأربع مرات عما هي عليه في قادمِ الأيام.

في الحقيقة، يُرجَّح بأن هنالك سبب وجيه خلف كل عادة سيئة من عاداتنا أو أي صعوبة نواجهها في التعلم؛ إذْ تحجِّر خصائصنا البيولوجية وخبراتنا إلى اليوم قدرتنا على التغيير إلى حد ما، وكلما تقدم بنا العمر، ازدادت صعوبة التغيير. غالبا ما تكون قيود العادات أخفُّ من أن تُحَسّ إلى أن يصبح من الصعبِ كسرها.

يحاول أصحاب الأعمال التي تصل أرباحها لملايين الدولارات إقناعنا بأن من السهل إحداث أي تغيير أو أن نصبح أفضل وأكثر حكمة. بيد أن الأمر أصعب في الحقيقة.

لكن بعد سبر أغوار حيوات العظماء يتضح بأن الأمر يستحق العناء.

لذا تصور أن تكون قادرا على اتخاذ قراراتك على نحو أفضل كل عام، وليس مهما إن كان بالنظر بشكل أفضل في 5% من كل قراراتك أو اتخاذ 5% منها بشكل مختلف، أو تغييرها. ستعيد كل عام النظر إلى ذاتك القديمة وتتساءل كيف كنت بتلك السذاجة. ويوما من الأيام، وفي أقل من 30 سنة، سترى بأنك لن تستطيع تمييز ذاتك القديمة لفرط ما كنت ساذجا وقتئذٍ.

ماذا تريد أكثر من ذلك؟


تحرير: فارنام ستريت | ترجمة: آلاء الراشدية | تدقيق: لمياء العريمية | المصدر

Exit mobile version