تُوجه الهجمات الإرهابية على مسجديّ النور ولينوود في مدينة كرايستشيرش النيوزلندية رسالةً إلى المسلمين بأنَّه ليس هناك مكانٌ آمنٌ يمكن اللجوء إليه للاتقاء من مخاطر الترهيب من الاسلام (الإسلاموفوبيا) Islamophobia، حيث أصبح صعبا على المسلمين في المدن الغربية بسبب هذه الهجمات إيجاد أماكن يشعرون فيها بالأمان.
يلقي بحثنا حول جغرافية الإسلاموفوبيا الضوء على التأثير السلبي للهجمات المعادية للمسلمين، وعلى استخدام المسلمين لبعض الأماكن العامة والدخول إليها، حيث يتعرض الشباب المسلم في المدن الغربية من سيدني إلى سان فرانسيسكو إلى الاعتداءات والإساءات التي تنطوي على كرهٍ للإسلام في أماكن معينةٍ، مما يُقيد استخدامهم لهذه الأماكن في المدن التي يعيشون بها.
ويعد هذا نتيجة مباشرة لتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الخطابات العامة حيث يؤثر تزايد المواقف المعادية للإسلام على الناس في جميع أنحاء العالم. وتعد هذه الافة الدخيلة كارثة وطنية تُقوض الترابط الاجتماعي في الدول الغربية.
تقويض الشعور بالانتماء
إن تمتعنا بحق الدخول إلى الأماكن العامة والانتفاع بها هو واحد من المؤشرات الرئيسة لانتمائنا. على أن بعض الأماكن العامة ترحب بجماعات معينة من الناس، بينما تتعرض جماعات أخرى إلى الإقصاء، مما يجعل بعض الأشخاص يشعرون بأنَّهم “في مكانهم” ، بينما يشعر الآخرون بأنهم ” في غير مكانهم”.
بالنسبة للمسلمين في مختلف المدن الغربية، هناك تحديات تعترض تمتعهم بحقوق الانتفاع من الأماكن العامة، يضاف إلى هذا الاعتراض على إنشاء المرافق الإسلامية، فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ سويسرا حظرت بناء مآذن جديدةٍ باعتبارها رموزًا للدين الإسلامي .
ويتساءل الزعماء السياسيون في مناطق أخرى من العالم، عمَّا إذا كان ينبغي السماح للنساء بارتداء البرقع أو الحجاب، كما يُقر الرجال والنساء المسلمون بتعرضهم لاعتداءاتٍ لفظيةٍ وجسديةٍ عند ارتداءهم للملابس الإسلامية في الأماكن العامة بتلك المناطق.
وهناك حالاتٌ مأساويةٌ أُخرى ناجمة عن الهجمات المعادية للإسلام في الأماكن العامة والمساجد، فعلى سبيل المثال، في يونيو من عام 2017، وخلال شهر رمضان المبارك، تعرضت (نبرة حسنين) البالغة من العمر 17 عامًا للضرب حتى الموت عندما كانت في طريقها لتأدية صلاة العشاء في مسجد منطقتها بفرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي وقتٍ سابقٍ من نفس العام، أطلق رجلٌ كندي النار على ستة مُصلين في مسجد مدينة كيبيك فأرداهم قتلى.
أصبح من الصعب على المسلمين بسبب جرائم الكراهية المرتكبة ضدهم الشعور بالأمان. وما هو أهم من ذلك أن الأماكن الإسلامية كالمساجد تتعرض للهجوم ولم يعد بوسعها أن تستريح من خطر الإسلاموفوبيا.
وقد توصلت دراستنا الاستقصائية في منطقة خليج سان فرانسيسكو إلى أنَّ المسلمين يتوقعون حالات من التمييز العنصري في الأماكن العامة، بما في ذلك الحدائق والشواطئ والشوارع ووسائل النقل العام والمطارات التي تكثر فيها ظاهرة الإسلاموفوبيا، مما يُقيد قدرة المسلمين على السفر بأمان.
كما أظهر تقريرٌ عن جغرافية الكراهية ضد المسلمين ارتفاعًا بنسبة 200٪ في حوادث الإسلاموفوبيا في المملكة المتحدة في عام 2015، حيث كانت المناطق العامة وشبكات النقل أكثر الأماكن استقبالا لمثل تلك الهجمات.
آثار الاسلاموفوبيا تحول دون الدخول والتنقل في الأماكن العامة
يتصدى المسلمون، وخاصةً هؤلاء الذين يُظهرون إسلامهم بشكلٍ صريحٍ، للهجمات المعادية للإسلام بتجنب بعض الأماكن العامة، والسفر في مجموعاتٍ، والتزام الحذر الدائم تحسبًا لأي اعتداء.
وفي سيدني وصف المسلمون من الشباب منطقة ساذرلاند بأنَّها المنطقة الأكثر كراهية ً للإسلام في مدينتهم، حيث ارتبطت تصوراتهم عن ساذرلاند ارتباطًا مباشرًا بأعمال الشغب التي حدثت في كرونولا في عام 2005، عندما تجمع أكثر من 5000 شخصٍ لإقصاء وإخلاء أي شخصٍ عربيٍ أو مسلمٍ من شاطئ كرونولا..
كما أكد الشباب المسلمون الذين أجرينا معهم مقابلات ، على أنه بالرغم من مرور عشر سنواتٍ من أحداث الشغب تلك إلا أنهم ما زالوا يشعرون بأنَّهم مستبعدين من تلك المنطقة إلى الآن، وأنَّهم يتجنبون الذهاب إلى تلك المنطقة الشاطئية. ويُوضح ذلك كيف تُقيد أعمال العنف العنصرية استخدام المسلمين لأماكن معينةٍ في المدن التي يعيشون بها.
وفيما يلي وجهات النظر التي تضمنتها المقابلات التي أجريت مع شباب المسلمين :
- بعد أعمال الشغب العنصرية في شاطئ كرونولا، أرى من خلال ملاحظتي وتحدثي مع الناس أنَّ أولئك الذين كانوا سيذهبون إلى شاطئ كرونولا سيتجهون لمسافةٍ أطول قليلًا نحو شاطئ الحديقة الوطنية بدلًا من الذهاب إلى شاطئ كرونولا لأنَّني أعتقد، على الرغم من مرور وقتٍ طويلٍ على تلك الأحداث، أنَّ[…] الحدث كان صعبًا للغاية، حيث كان هجومًا مباشرًا […] موجهًا إلى مجتمعٍ وعقيدةٍ معينةٍ (شابة مسلمة تبلغ من العمر 25 سنة، من منطقة ميريلاند، نيو ساوث ويلز)
- كرونولا، حتى لو كان شاطئًا رائعًا، فما حدث به قبل سنوات ما يزال عالقًا في ذهني (أنثى، 29 سنة، l من منطقة ستراثفيلد، نيو ساوث ويلز)
- يتجنب البعض من أصدقائي العرب الذهاب إلى شواطئ أخرى باستثناء شواطئ منطقتي لابيروز وبرايتون […]، وهذا فقط لأنَّهم لا يرغبون في حدوث أيّ مشاكلٍ وأشياء من هذا القبيل […] بعد أعمال الشغب في كرونولا (شاب، 25 سنة، من منطقة غرينكر، نيو ساوث ويلز)
أين يُمكن أن يشعر المسلمون بالأمان؟
تُوضح دراستنا الاستقصائية في سان فرانسيسكو وسيدني أنَّ المسلمين يشعرون بقدرٍ أكبر من الراحة والقبول والانتماء في الأحياء الإسلامية، فعندما طُلب منهم طرح تصوراتهم حول الإسلاموفوبيا، صرحوا بأنَّ المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة العالية تكون أقل عرضةً للإسلاموفوبيا، حيث يشعرون بأنَّ هويتهم الإسلامية تكون أكثر قبولًا في تلك المناطق، وبالتالي يشعرون بقدرٍ أكبر من الانتماء.
على الجانب الآخر، كانت العديد من المناطق التي يعيش بها أقلية من المسلمين هي الأكثر عرضةً للإسلاموفوبيا والأقل قبولًا للهوية الإسلامية. إنَّ الشعور بالقبول والأمان في “المناطق الإسلامية” هو شعورٌ إيجابيٌ وضروريٌ للتجربة الحضرية للانتماء.
إنَّ الهجمات التي شُنت على المساجد في مدينة كرايستشيرش قد هددت بشكلٍ كبيرٍ شعور المسلمين بالأمان في المدن الغربية، كما أنَّ إطلاق النار على المصلين يُزيد من الآثار السلبية للإسلاموفوبيا بشكلٍ عامٍ في جميع أنحاء العالم.
خطوات لإقامة مدن أكثر شمولية
يُمكن اتخاذ عددٍ من الخطوات لتعزيز الشعور بالأمان والانتماء لدى المسلمين في المدن الغربية على سبيل المثال:
- توفير قدر أكبر من الحماية للمواقع الإسلامية، خاصةً أثناء التجمعات الكبيرة في المناسبات الدينية مثل الأعياد و خلال تأدية صلاة الجمعة.
- زيادة تصريحات القادة بشأن حقوق المواطنة والمساواة للمسلمين في تلك المدن.
- تركيز التدخلات المحلية لمكافحة العنصرية في المناطق التي تُعاني من الإسلاموفوبيا.
- إدراج الأعياد والثقافات الإسلامية في سياسات واستراتيجيات التخطيط الاجتماعي.
- سن قوانين تقضي على التمييز القائم على أساس الدين باعتباره جانبًا من جوانب التمييز العنصري.
- النظر فيما إذا كانت تصورات الإسلاموفوبيا في بعض الأماكن مبالغًا فيها وتؤدي إلى ترويع المسلمين.
- مكافحة الإسلاموفوبيا محليًا وإقليميًا بطرقٍ فعالةٍ عند الحاجة.
بقلم: كيفن دن و روندا إيتاوي | ترجمة: مروة البادي | إشراف: د. عصام شلال | تحرير: بسام أبو قصيدة | المصدر