في ظل تصاعد الصّراعات الدّوليّة، طَرَحَ باحثون من جامعة كولومبيا السؤال التالي: ما الذي بِوِسع المجتمعات فعله للحفاظ على السّلام؟ وما الدّور الذي تلعبهُ الكَلِمات في هذا المسعى؟
على الرّغم من كثرة الأبحاث التي أُجرِيَت في مجال” خطاب الكراهية” إلا أن الدكتور لاري ليبوفيتش وزملاءه أرادوا البحث في خصائص “خطاب السّلام” بدءًا من الكلمات التي تُستَخدَم بشكل متكرر في وسائل الإعلام الإخباريّة.
فمن خلال تحليل أكثر من 723000 مقال صحفي في 18 دولة باستخدام تقنيّة التعلّم الآلي، وُجِدَ بأنّ الكلمات المرتبطة بالأمل والفرح والعائلة متكررة في الدّول الأكثر سلاماً.
أخبر ليبوفيتش مجلة cosmos أنّ الكلمات كانت بشكل أساسي تتمحور حول الأمل والفرح والمستقبل، كما تشمل كلمات تتعلق بأنشطة الحياة اليوميّة الاعتياديّة مثل “المنزل” و ” الاعتقاد” و ” اللعب”
كما أَشارَ إلى استخدام وسائل الإعلام الإخباريّة كلمات تُشير إلى السّيطرة والخوف في الدول الأقل سِلماً مثل: ” الحكومة” و”الدولة” و”القانون” و” المحكمة” و”الأمن”.
تحوي العيّنة المُختارة من البلدان التي شملتها الدّراسة كميّة كبيرة من الأخبار الإلكترونية باللغة الانجليزيّة، وتشمل هذه الدول: أستراليا، وبنجلاديش، وكندا، وغانا، وهونغ كونغ، والهند، وإيرلندا، وجامايكا، وكينيا، وماليزيا، ونيوزيلندا، ونيجيريا، والفلبين، وسنغافورة، وسريلانكا، وتنزانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكيّة.
عَمِلَ الباحثون على ضبط نموذج التعلّم الآلي على خمسة مؤشرات للسلام، وذلك لتحليل مستوى السّلام في كل دولة. صُنّفَت المؤشرات كالتالي: مؤشر السلام العالمي، ومؤشر السلام الإيجابي، ومؤشر التنمية البشرية، ومؤشر السعادة العالمي، ومؤشر البلدان الهشّة.
صُنفت أستراليا ونيوزيلندا وكندا وأيرلندا كدول يعمّ فيها السّلام وِفقًا لمؤشرات السلام الخمسة، بينما اعتُبِرَت كينيا وبنغلادش ونيجيريا دولًا يقل فيها مستوى السلام.
يعتمد البحث المنشور في المجلة المُحكَمة PLOS One على تقنية “سُحُب الكلمات” لعرض نتائج النموذج للكلمات المتكررة بكثرة – الأخضر للأكثر سَلاماً والأحمر للأقل سَلاماً.
هناك كلمات مشتركة بين الدّول ذات السّلام العالي والدول ذات السّلام المنخفض، لكن هناك اختلافات طفيفة في استخدامها. فعلى سبيل المثال، يقول ليبوفيتش أن كلمة “حكومة” تظهر في كلا النوعين لكنّها تبرُز بشكل واضح في الدول ذات السلام المنخفض- ” في حال استقرار الدّولة فلا حاجة للحديث عن السياسة والحكومة”.
يضيف ليبوفيتش مشيراً إلى إمكانيّة وجود جوانب متناقضة: ” لا يقتصر السّلام على مفهوم واضح وكامل” فمثلاً، لربما يعمّ السلام الدولة من بعض النواحي – أي تعمل بشكل جيّد وتلبّي احتياجات شعبها- لكنّها تفتقر إلى حريّة التعبير عن الرأي.
يعد استخدام هذه النتائج كنقطة انطلاق لفهم العمليات الاجتماعية التي تكمن وراء التباينات في السلام بين البلدان بمثابة الخطوة التالية للباحثين.
يشير ليبوفيتش لحاجتنا الماسّة والفعليّة للتفكير في طرق الحفاظ على السّلام وليس كونه حالة استقرار فقط. فالمجتمعات تبذل جهدها في الحفاظ عليه ولا يمكن تحقيقه بشكل تلقائي، فما متطلبات الحفاظ على السّلام؟ فمن الممكن أن تتولّد أفكار مفيدة لصانعي السياسات لتعزيز ذلك.
من الممكن أن يلعب الصحفيون دوراً مهماً أيضاً ” فربما تحمل الكلمات التي يستخدمونها أحياناً معنىً أكبر مما يظنون. فلا تتغيّر مصداقيّة الأخبار بصياغتها بطرق عدّة، ولكنها قد تُضفي دَلالات سِلميّة أكثر”.
بقلم: بترا ستوك | ترجمة: شذا صعيدي | تدقيق: لمياء العريمية | المصدر