كيف تشكِّل البيئة الزراعية (للمحصول) رائحة الطعام ومذاقه؟

علماء يبحثون عما إذا كان للبيئة الزراعية تأثير دائم

 

منذ قرابة سبع سنين، كانت كريستن تقضي شهر العسل برفقة زوجها جوش موهاغن في نابا، كاليفورنيا عندما اشتما رائحة غريبة في شراب كابرنيت ساوفيجنون؛ الفلفل الأخضر. أخبرهما صانع الخمر أن العنب الذي صُنع منه ذاك النبيذ كان قد زُرع على سفح تلة بالقرب من حقلٍ للفلفل الأخضر. قال جوش موهاغن “تلك كانت تجربتي الأولى في استشعار أثر البيئة الزراعية”.
ترك الأمر انطباعًا عند الزوجين، ولدى عودتها إلى فيرغوس فولز، مينيسوتا، ألهمهما الوقت الذي قضياه في نابا لتأسيس عملهما الخاص في إنتاج الشوكولاتة على مبدأ “أثر البيئة الزراعية” والذي يُعرّف عادةً بـ “الإحساس بالمكان”.

تقول كريستن موهاغن: إن كل دولة تنتج الكاكاو بنكهة ورائحة مميزتين. فالكاكاو في مدغشقر “له نكهة توت واضحة، قد يكون توت العليق أو ربما نكهة الحمضيات”. في حين أن الكاكاو في جمهورية الدومينيكان “له مذاق الشوكولاتة بالبندق”.
ويُقدّر الزوجان أنه في عام 2013 عندما أسسا شركة Terroir Chocolate، شرعت 50 شركة لإنتاج كميات صغيرة من

الشوكولاتة في الولايات المتحدة بالترويج لهذا المبدأ باعتباره إحدى نكهات منتجاتها.
ومنذ ذلك الحين، بات “الإحساس بالمكان” يُستخدم بصفته استراتيجية تسويقية لا تقتصر على الشوكولاتة والنبيذ فقط. وبحسب ميغيل غوميز، خبير اقتصادي في جامعة كورنيل يدرس تسويق الطعام وتوزيعه، أصبح من الشائع استخدام علامات “الإحساس بالمكان” للمنتجات مثل القهوة والشاي والبيرة الحرّفية. حيث يقول “تزايدَ اهتمام المستهلكين بمعرفة منشأ المنتجات التي يتناولونها، بل وحتى من ينتجها وكيف… يُثمِّن الناس الاختلاف في الروائح والنكهات”.

تحتوي عشبة الدينار (الجنجل) التي تنمو في ياكيما فالي، واشنطن على تركيبة كيميائية مميزة بسبب التربة والطقس وكيفية نموها.

يُعد التعريف مرنًا. إذ يستخدم المهتمون بالنبيذ المصطلح الفرنسي terroir لوصف الظروف البيئية التي زُرع فيها العنب والتي تعطي النبيذ نكهته الفريدة. كما أن للتربة والمناخ وحتى اتجاه سفح التلة أو المزارع المجاورة والحشرات والميكروبات دورًا في ذلك. بالإضافة إلى أن بعض الخبراء يوسعون المصطلح ليشمل الممارسات الثقافية لزراعة العنب ومعالجته والتي يمكن أن تؤثر على النكهة.
وتُعد فكرة “الإحساس بالمكان” ضاربة في التاريخ. حيث قسّم الرهبان السسترسيين والبينيدكتيين في العصور الوسطى في برغندي في فرنسا الريفَ إلى أقاليم تبعًا للتباين الطفيف في التضاريس، والذي يمكن أن يُجسّد خصائص النبيذ الفريدة. يقول جو كوين، مدير إنتاج النبيذ في مطعم The Red Hen في واشنطن: إن النبيذ الذي يُنتج في قرية جوري شامبرتن على سبيل المثال “يشتهر بأنه غني بنكهة العنب القوية وبأنه أكثر حمضية من غيره. بالمقارنة مع النبيذ الذي يُنتج في قرية شامبول موزيني على بُعد أميال في الجنوب حيث يُعد أفخر وذا نكهة خفيفة”.

 

 

وأبدى بعض العلماء وخبراء النبيذ شكوكهم حيال ما إذا كان للمكان فعلًا أثر دائم في المذاق. لكن سيلًا من الأبحاث الحديثة أشارت إلى إمكانية أن تُضفي البيئة وأساليب الإنتاج بصمة كيميائية أو ميكروبية مميزة بالفعل، ويمكن للعلماء من خلالها تعقّب منشأ الطعام. كما تقدم هذه التقنيات في بعض الحالات شرحًا حول كيفية مساهمة المكان في تكوين نكهة الطعام والشراب وروائحها.

ما هي فكرة “الإحساس بالمكان” terroir؟

يشير العلماء ومحبو الطعام إلى عوامل عدة مرتبطة بالمكان من شأنها تكوين نكهة الطعام ورائحته.

المناخ: يشمل معدل الرطوبة وأدنى درجات الحرارة.

التعرض لأشعة الشمس: مدى تعرضها لأشعة الشمس ومتى تكون أشعة الشمس في ذروتها.

التربة: هل غُرست النبتة عميقًا في التربة أم في السطح؟ وما معدل تأثير الرمل والطمي والطين في التصريف.

إنتاج الطعام: تجفيف حبوب الكاكاو بواسطة أشعة الشمس أو بواسطة النار مثلًا.

الطبوغرافيا: الارتفاع والانحدار واتجاه النبتة.

النباتات المجاورة: النباتات المجاورة التي تنافسها على الماء والغذاء.

الممارسات الزراعية: على سبيل المثال؛ متى وكيف تشذّب الكرمة ويحصد العنب.

الحشرات: العث وحشرات المن التي تقتات على الجنجل وغيرها.

الميكروبات: البكتيريا وفطر الخميرة وغيرها من فطريات العنب.

 

البصمة الكيميائية للقهوة

يدرس العالم البيئي جيم إيلرينغر من جامعة يوتاه في سولت ليك سيتي العناصر النزرة التي تمتصها النباتات. وتُعد هذه العناصر انعكاسًا مباشرًا لجودة التربة، حيث يقول إيلرينغر “لا تتحلل العناصر النزرة بل تصبح إحدى خصائص التربة وتبقى مع مرور الزمن”.

ولمعرفة ما إذا كان بالإمكان تتبّع منشأ القهوة بواسطة العناصر النزرة للقهوة، قام إيلرينغر وفريقه بقياس تركيز حوالي 40 عنصر نزر في أكثر من 48 عينة من حبوب البن العربي المحمّص من 21 دولة. إن تحميص الحبوب بدرجات حرارة متفاوتة من شأنه أن يؤثر في تركيز العناصر النزرة. ولتصحيح تأثير التحميص، قام إيلرينغر بحساب نسبة كل عنصر إلى كل عنصر آخر في العينة والتي بقيت ثابتةً تقريبًا حتى مع التحميص.

في العدد الأول من أغسطس من مجلة Food Chemistry أورد فريقه أن للبن مختلف المنشأ بصمة كيميائية مميزة. وأن خصائص القهوة الكيميائية “تعتمد على الجيولوجيا”. فمثلا: يحتوي البن في اليمن على نسبة من البورون إلى المنغنيز الذي تفتقره أكثر من 0.5 بالمائة من عينات البن المأخوذة من أماكن أخرى.

اختلافات العناصر النزرة

تُعد نسبة العناصر النزرة من البورون إلى المنغنيز والكالسيوم إلى السيزيوم كافية للتمييز بين البن اليمني والبن المحصود من بقاع أخرى في العالم.

العناصر النزرة تميز بين أنواع البن المختلفة

المصدر: N.Q. Bitter et al/ food chemistry 2020

استخدم باحثون آخرون تحليل عناصر مماثل للعثور على أثر المكان في منتجات تشمل النبيذ المُنتج في مناطق زراعية مميزة في البرتغال، والفول السوداني المحصود في مقاطعات مختلفة في الصين.

تُعد هذه التقنية مهمة للتحقق من المنشأ عندما يكون “أثر البيئة الزراعية” أحد أساليب الترويج للمنتج. في كونا في جزيرة هاواي، يستخدم مزارعو القهوة نتائج تحليل العناصر دليلا لدعم دعوى قضائية جماعية ضد 21 من كبار تجار التجزئة؛ مفادها أن هذه الشركات تزعم أن حبوب البن حُصدت في كونا، غير أنها زُرعت في مكان آخر. ومن المزمع عقد المحاكمة في نوفمبر 2020.

وفي حين أن تحليل العناصر يمكن أن يثبت منشأ منتج ما، إلا أنه لا يثبت أن الجيولوجيا تساهم في تكوين النكهة. يقول إيلرينغر: “العناصر النزرة وحدها لا تُضفي نكهة أو طعمًا”.

يحتوي البن؛ ومن بينها البن اليمني مثلًا على تركيزٍ مختلف من العناصر النزرة، تبعًا لمكان زراعته.

تتبع منشأ الكاكاو

يحاول بعض العلماء تتبع بصمات كيميائية مختلفة في محاولة لربط النكهة بالمكان. في جامعة ماريلاند في تاوسون، تعمل عالمة الكيمياء شانون ستيتزل على تتبع منشأ الكاكاو باستخدام مركّبات عضوية مستخلصة من نبات الكاكاو. وينتُج تركيز بعض المركّبات العضوية المحددة في النبات إثر تفاعل عدد من العوامل؛ من جينات أنواع محددة إلى عوامل المكان كالمناخ والممارسات الزراعية.

وتتعامل ستيتزل مع عينات الكاكاو السائل من جميع أنحاء العالم؛ وهو عبارة عن حبوب كاكاو خُمِّرت وجُفِّفت وحُمِّصت ثم طُحنت لتصبح كالمعجون. يكون الكاكاو السائل صلبًا في درجة حرارة الغرفة ولكن عند تسخينه يذوب ليصبح سائلًا لامعًا تصفه ستيتزل قائلة “أثخن بقليل من العسل”.

تقول ستيتزل إن استخدام المركّبات العضوية لتتبع منشأ عينات الكاكاو السائل المختلفة “ليس بدقة استخدام تحليل العناصر”. في عملٍ غير منشور لها، تمكنت من استخدام تحليل العناصر لربط الكاكاو السائل ببلد منشئه بدقة تبلغ نسبتها 97%.

لكن ستيتزل اختارت استخدام المركّبات العضوية لأنها قد تفسّر الاختلافات في النكهة التي تعتقد -كحال الزوجين موهاغن- بوجودها بين الكاكاو السائل من مختلف البلدان، إذ تقول: “يمكنك أن تفتح كل علبة وتلاحظ اختلاف الرائحة”.

كما أنها حددت مؤخرًا تركيز المركبات العضوية في سائل الكاكاو من فيتنام وإندونيسيا وهندوراس والإكوادور والمكسيك. ثم استخدمت تقنية إحصائية تُعرف بتحليل التمييز على مجموعة من العينات بالاعتماد على تراكيز مشابهة لتسعة مركّبات عضوية وتشمل الكافيين ومركّبًا مشابهًا يسمى الثيوبرومين ومضاد أكسدة يسمى الكاتيشين.

وأشارت ستيتزل من خلال منصة SciMeetings الإلكترونية التابعة للجمعية الكيميائية الأميركية أن هذه البصمة الكيميائية كافية للتعرف بدقة على بلد المنشأ لحوالي 90% من العينات. إلا أنه في بعض الحالات لم تكوّن العينات مجموعات دقيقة خاصة بكل بلد منشأ. فعينات الكاكاو السائل من هندوراس كوّنت مجموعتين مختلفتين تبعًا لدرجة الحرارة المستخدمة للتحميص. كما كان من الصعب التفريق بين عينات هندوراس التي خضعت لدرجات حرارة عالية وبين عينات الإكوادور وفيتنام.

وترغب ستيتزل الآن بإضافة المزيد من المركّبات إلى التحليل لتعزز دقة مصادرها وتربط المناطق بمركّبات النكهة المحددة؛ “ما زلنا نحاول استيعاب أي من المركّبات قد ترتبط بالنكهة”. وتشير نتائج تحليلها الأخير أن الكافيين والثيوبرومين والكاتيشين -التي تعطي نكهة مُرة – تساعد على التفريق بين الشوكولاتة وفقًا لبلد المنشأ.

تأثير التحميص

تمكن الباحثون من تصنيف عينات الكاكاو السائل وفقًا لأوجه التشابه في تراكيز تسعة مركّبات عضوية باستخدام التقنية الإحصائية المعروفة بتحليل التمييز. صُنفت عينات كل دولة في مجموعات باستثناء عينات هندوراس التي حُمّصت في درجة حرارة عالية، إذ تداخلت مع عينات الإكوادور وفيتنام.

تحليل المركّبات العضوية في الكاكاو السائل حسب الدولة

عبق المكان

توصّل بعض الباحثين إلى أنّ المكان يترك أثرًا في الجزيئات التي تكوّن الرائحة في الطعام. تُنتج النباتات مركّبات تُعرف بالجليكوسيدات تحتوي على مركّب سُكّري مرتبط بمركّب عطري متطاير. عندما تكون الجزيئات متماسكة تكون الجليكوسيدات عديمة الرائحة ولكن عند تفكيكها بالتسخين لدرجات حرارة عالية أو رقم هيدروجيني منخفض أو بإنزيمات الخميرة فإنها تتحرر وتنتشر الرائحة. تتكون زجاجة النبيذ المعتّقة جزئيًا من جزيئات عطرية فواحة في العنب وتطلقه إنزيمات الخميرة مع مرور الزمان.

لكنّ العديد من صانعي البيرة يفضلون أن يكون للبيرة الهندية المذاق ذاته بغض النظر عما إذا فُتحت الزجاجة في يوم الجمعة أو في أكتوبر. ولا يُعد تحرر المواد العطرية المتطايرة في زجاجة البيرة محكمة الإغلاق أمرًا مفيدًا لمصانع البيرة الكبيرة التي تحتاج لشحن منتجات لها المذاق نفسه.

يقول بول ماثيوز، عالم أبحاث كبير في مزارع Hopsteiner في فرعها في واشنطن، وهي مزارع دولية تجارية لزراعة الجنجل ومعالجته ومقرّها الرئيسي في مدينة نيويورك: يُطلق صانعي البيرة على تطاير الرائحة اسم “زحف البيرة”

إذا أضاف صانعو البيرة الجنجل (زهرة نبات الجنجل) للبيرة مبكرًا أثناء دورة التحضير، ستعمل الحرارة على تفكيك جزيئات السكر المتطايرة وستفقد معظم الرائحة من الجليكوسيدات العطرية قبل عملية التعبئة. ويبقى المذاق ثابتًا مع مرور الوقت، ولكن عندما ينتج صانعو البيرة الحرفية بيرة من “الجنجل المجفف” كالبيرة الهندية بإضافة الجنجل بعد مرحلة الغلي، يسمح ذلك بتخمّر الجليكوسيدات العطرية وعدم تسرّبها من الزجاجة. وفيما تفكك أنزيمات الخميرة الجزيئات، تُطلِق المركّبات مواد عطرية متطايرة حتى بعد إحكام إغلاق الزجاجة. لذا من المرجح أن تتسرب الرائحة مع مرور الوقت.

ولأن الجينات تعزز الرائحة والنكهة، يستكشف ماثيوز إمكانية التحكم بتراكيز الجليكوسيدات العطرية بشكل أفضل بواسطة التهجين. حيث يمكن الحد من مشكلة “زحف البيرة” التي تواجه منتجي البيرة الحرفية الذين يوزعون منتجاتهم على مناطق بعيدة من خلال تهجين أنواع مختلفة من الجنجل للحصول على تراكيز أقل.
في الوقت نفسه، يبحث ماثيوز وزملاؤه إمكانية تهجين أنواع الجنجل للحصول على تراكيز عالية للجليكوسيدات العطرية ليستخدمها منتجو البيرة الحرفية ممن لا يبالون بمدة التخزين ويطمحون لتحسين جودة نكهة البيرة ورائحتها.

قورنت مستويات الجليكوسيدات العطرية الأربعة التي تعطي البيرة رائحتها المميزة في نبات الجنجل الذي استُنبت في ياكيما فالي في واشنطن (الظاهر في الصورة) وفي نهر كوتيناي في أيداهو. وتبين اختلاف إحدى الجليكوسيدات العطرية لاختلاف مكان زراعتها.

اختبر ماثيوز مؤخرًا ما إذا كانت الجينات هي من تحدد تركيز الجليكوسيدات العطرية أم المكان. وقال: “بالطبع يحددها العاملان، لكن إذا كان عامل الجينات أقوى سنتمكن من تهجينها”.

قام ماثيوز بزراعة الأنواع الثلاثة والعشرين من الجنجل المستنبت في حقلين تجاريين بعوامل بيئية مميزة، بالتعاون مع عدد من الزملاء؛ منهم عالم الكيمياء النباتية تايلان موركول من كلية ليمان في برونكس، في جامعة نيويورك. ووصف ماثيوز موقع ياكيما فالي في واشنطن بأنه “صحراء في ظل جبل رينييه” والموقع الآخر في نهر كوتيناي في آيداهو بأنه “غابة صنوبر شمالية رطبة”.

وفي كل موقع، قام الفريق بقياس تراكيز أربعة جليكوسيدات عطرية في كل جنجل مستنبت. أشار الباحثون في عدد الخامس عشر من أغسطس لمجلة Food Chemistry إلى أن الجينات الوراثية لعبت الدور الأكبر في تحديد كمية الجليكوسيدات العطرية التي تنتجها نبتة الجنجل. كما اختلفت تراكيز ثلاثة أنواع من الجليكوسيدات العطرية من بين الأنواع المستنبتة ولكنها ظلّت مشابهة نوعًا ما بين مجموعة النباتات المستنبتة في الموقعين.

غير أنه بالنسبة لإحدى الجليكوسيدات العطرية تفوّقت الجينات بوضوح. ففي موقع كوتيناي، أنتجت جميع النباتات المستنبتة تركيزًا منخفضًا لجليكوسيد الهيكسل؛ ذرة تضفي رائحة عشبية عندما تتفكك جزيئات السكر فيها. أما في موقع ياكيما، أنتجت كل من النباتات المستنبتة المشابهة -بجينات تتطابق مع نباتات موقع كوتيناي- حوالي ضعفين إلى ثمانية أضعاف جليكوسيد الهيكسل.

يقول ماثيوز “ثمة اختلاف في البيئات”. وما يزال الفريق يحاول تحديد أي من المكونات في البيئة يسبب هذا الارتفاع في جليكوسيد الهيكسل في موقع ياكيما. أفضل تخمين: العث وحشرات المن.
مخطط

العوامل البيئية تتغلّب على العوامل الجينية

يُنتِج الجنجل المستنبت في ياكيما فالي، واشنطن جليكوسيد الهيكسل بمستويات أعلى من الجنجل المستنبت في نهر كوتيناي، آيداهو ويعزى ذلك ربما إلى حشرات العث والمن.

موقع الاستنبات يؤثر على مستويات جليكوسيد الهيكسل في نبتة الجنجل

المصدر: T.B. Morcol et al/Food Chemistry 2020

في ياكيما وعلى عكس موقع كوتيناي، تمكث الحشرات التي تقتات على نبات الجنجل طوال الموسم الزراعي. لذا يفترض ماثيوز وزملاؤه أن هذه النباتات تفرز جليكوسيد الهيكسل كوسيلة للدفاع ضد تلك الحشرات. وعندما تمضغ العثة والمن النبتة قد تُطلَق المواد المتطايرة لجذب الحشرات التي يمكن أن تأكل حشرات العثة والمن.
ويخطط الباحثون لإجراء تجربة أخرى لاختبار ما إذا كان نبات الجنجل المعرَّض لهذه الحشرات في غرف مكيفة بيئيًا يُنتِج جليكوسيد الهيكسل العشبي بمستويات أعلى من الجنجل الخاضع للظروف ذاتها دون التعرُّض للحشرات.

للميكروبات بصمتها

منذ حوالي قرنين، أدرك الناس أهمية فطر الخميرة لتخمير النبيذ. اكتشف عالم الأحياء المجهرية ديفيد ميلز في جامعة كاليفورنيا، ديفيس ونيكولاس بوكوليتش طالب الدراسات العليا آنذاك وعالم أحياء الطعام المجهرية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، أنّ مجموعات من الميكروبات قد تساعد في تكوين مذاق النبيذ.

وأشار ميلز وبوكوليتش وزملاؤهم في مجلة mBio في 2016 إلى أنه من الممكن أن تتنبأ المجتمعات الميكروبية الفريدة في مزارع مختلفة في كاليفورنيا بالمستقلبات التي ستظهر في النبيذ. كما أضاف بوكوليتش: “المستقلبات هي نواتج الأيض في أي كائن عضوي، بإضافة فطر الخميرة وفطريات أخرى وبكتيريا تساهم في تكوين المستقلبات في مختلف أنواع النبيذ”.

تقول كيت هاول عالمة الكيمياء الحيوية في جامعة ملبورن في أستراليا: “لهذه المستقلبات رائحة ومذاق”. وأوردت وفريقها في دراسة لها عبر الإنترنت في مجلة mSphere أنّ الأنواع الفطرية تلك بالأخص تكوّن المستقلبات وبالتالي فإنها تكوّن الرائحة والمذاق في النبيذ المُنتَج في مناطق مختلفة في أستراليا.

درست هاول وزملاؤها الميكروبات في 15 من كروم العنب الأسود في ستة مناطق لإنتاج النبيذ في جنوب أستراليا. وفي كل حقل، استخرج الفريق أحماض نووية فطرية وبكتيرية من التربة ومن العنب المهروس منزوع الساق الذي لم يُخمّر بعد. وحدد الفريق 88 مستقلب في النبيذ.

احتوت مزارع إنتاج النبيذ في مناطق متفرقة على مجتمعات ميكروبية مميزة لاسيما في التربة وعصير العنب غير المخمّر. والتي ساهمت في تكوين تركيبة من المستقلبات النادرة في النبيذ عند تذوقه. وتوصّل الباحثون إلى أن أكثر من 80% من المستقلبات في مختلف أنواع النبيذ ترتبط بتنوع الفطريات في عصير العنب غير المخمر. فمثلًا؛ تتسبب المستويات العالية من فطريات البنسيليوم بإنتاج نبيذ ذي مستويات منخفضة من حمض الأوكتانويك وهو مركّب متطاير يضفي على النبيذ مذاق الفطر.

الأنواع الفطرية

تختلف أنواع فطر الخميرة والفطريات الأخرى الموجودة في عصير العنب -قبل تخميره- من مزرعة إلى أخرى في جنوب أستراليا حيث يُنتج العنب الأسود. ربط الباحثون هذه المجتمعات الفطرية بمجموعات نادرة من المستقلبات التي تؤثر على الرائحة والمذاق في النبيذ بعد تذوقه.

تنوّع الفطريات في مناطق إنتاج النبيذ في جنوب أستراليا

تأمَل هاول أن يتمكن تجّار الخمر من التعامل مع الميكروبات في التربة وخلال عملية التخمير للحصول على أفضل بيئة ميكروبية. اليوم، أصبح فطر الخميرة الذي يبتاعه التجار لإضافته لعصير العنب قبيل تخميره في معزل عن مزارع الكروم الفرنسية ومناطق إنتاج النبيذ، “لا يُضفي ذلك قيمة المكان ذاتها بالحث على تنوع عملية التخمير في المكان الذي زُرع فيه العنب”.

ومن جانبه ينتظر كوين من مطعم The Red Hen بفارغ الصبر لجديد الاكتشافات العلمية حول تأثير البيئة الزراعية. إذ يود أن يعرف السبب وراء المذاق الطباشيري والمعدني المالح في النبيذ المُنتج في شابلي حيث التربة الكلسية الكميردجية، وسانسيري، ومقاطعة شمبانيا. ويساهم البحث العلمي في استيعاب انعكاس المكان على النبيذ، “من العوامل المناخية إلى العوامل الميكروبية وما تفضي به التربة ولمَ يتمتع هذا النوع من النبيذ خصيصًا بمذاق رائع”.


بقلم: كارولين بينز | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر

Exit mobile version