من المؤسف أن نشهد نفس المأساة كل بضع سنوات: تقلبات الطقس التي تتَسبب في الجوع والجفاف الذَين يستنفدان شرق أفريقيا ويهددان حياة وسبل عيش ملايين الأشخاص في إثيوبيا والصومال وكينيا.
إن تقلبات الطقس المسؤولة عن هذه الأحداث هي مثال حي للتأثير السلبي لتغير المناخ على الظاهرة التي عادة ما تحدث دائما والمعروفة باسم “النينيا”
يعود سبب حدوث ظاهرة النينيا إلى انخفاض درجات حرارة المحيطات في شرق المحيط الهادئ، مما يتسبب في نوبات جفاف في شرق إفريقيا.
الاحترار الذي يتسبب به الإنسان في غرب المحيط الهادئ يجعل الأمور أسوأ. أدت الانبعاثات العالمية إلى الاحترار المُتزايد في غرب المحيط الهادئ، مما أدى إلى مزيد من الأمطار حول إندونيسيا ولكن على عكس الوضع متزايد الجفاف شرق كينيا والصومال وإثيوبيا، والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، التي تَسببت الانبعاثات العالمية والاحترار إلى نقص الأمطار في المناطق القاحلة فيها بشكل مُقلق ولكن مُتوقع.
يَمر شرق أفريقيا بموسمين ممطرين كل عام، كما هو موَضح في كتابي “حرائق وفيضانات وجفاف“، من شهر أكتوبر إلى ديسمبر، ومن مارس إلى مايو. الآن، ومع تغير المناخ، هناك خطورة فعلية تترتب على ما نشهده بشكل متتالٍ من زيادة في نقص مواسم الأمطار.
كان من الممكن أن يحدث جفاف مرة كل خمس أو ست سنوات قبل عام 1999، وذلك تزامنا مع موسم نقص الأمطار. ولكن منذ عام 1999 ، تهطل أمطار ضعيفة فقط من مارس إلى مايو كل عامين أو ثلاثة أعوام.
أدت حالات الجفاف المتتالية إلى وصول الصومال إلى حالة من المجاعة منذ عام 2010 إلى 2011. ومات أكثر من 260 ألف شخص – نصفهم من الأطفال- خلالها. ثم، في عامي 2016/2017 و 2020/2021، ضربت موجات جفاف متتالية المنطقة مرة أخرى.
لحسن الحظ ، يمكننا الآن في كثير من الأحيان التنبؤ بحالات الجفاف هذه باستخدام نماذج المناخ (النماذج المناخية هي أنظمة تفاضلية تستند إلى القوانين الأساسية للفيزياء وجريان الموائع والكيمياء. لتشغيل نموذج، يقسم العلماء الكوكب إلى شبكة ثلاثية الأبعاد، ويطبّقون المعادلات الأساسية، ويقيّمون النتائج.) ومراقبة اليابسة.
على سبيل المثال، كنت جزءًا من مجموعة من العلماء الذين دقوا ناقوس الخطر وتوقعوا أن يتدهور الأمن الغذائي في جميع أنحاء شرق القرن الأفريقي في عام 2020، مدفوعًا بمعدلات منخفضة جدًا لهطول الأمطار تصل إلى أقل من المتوسط في الأشهر المقبلة. لقد قُمنا بذلك من خلال “نظام الإنذار المُبكر بالمجاعة” وهو نظام رائد يَمُد جميع المناطق حول العالم المُهددة بالمجاعات بإنذارات مُبكرة وتحليلات حول تهديد أمنها الغذائي.
لدينا مشاعر مختلطة حول هذا الأمر: يسعدنا أن معلوماتنا يمكن أن تساعد في تحديد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي قبل وقوع الكوارث، لكننا نشعر بالفزع لوجود مثل هؤلاء السكان المعرضين للخطر من الأساس.
نعتقد أنه من المحتمل أن يحدث جفاف مدمر مُجددًا، في 2021/2022.
تبدو توقعات درجة حرارة سطح البحر مطابقة لما كانت عليه في العام الماضي. ونتوقع أن وضع غرب المحيط الهادئ دافئ بشكل غريب، بالإضافة إلى برودة شرق المُحيط الهاديء – ومن المحتمل أن يتسببا معًا في سلسلة أخرى من المواسم الجافة.
أعلنت كينيا بالفعل حالة الطوارئ بسبب الجفاف. سيكون من المهم للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى أن تكون مستعدة لاحتمال حدوث المزيد من حالات الجفاف في المستقبل.
تكون جميع عمليات جمع البيانات والنمذجة دون جدوى وينتهي الأمر بمعاناة المُتضررين بدون اتخاذ إجراءات مبكرة فعالة.
مساحة للتنبؤات
ينتج مركز المخاطر المناخية (وأنا جزء منه)، كجزء من شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، خرائط لتقديرات هطول الأمطار تساعد في توجيه مليارات الدولارات في شكل مساعدات إنسانية لعشرات الملايين من الناس.
بشكلٍ عام، يمكن أن تتنبأ نماذج المناخ بمكان وجود المياه الدافئة جدًا، ويمكن استخدام هذه التوقعات لتشخيص حالات الجفاف، غالبًا قبل حدوثها.
على سبيل المثال، عندما يكون شرق المحيط الهادئ أكثر دفئًا، فإنه يؤدي إلى تضخم شدة الجفاف في شمال إثيوبيا وجنوب إفريقيا. إذا كانت هذه الحرارة الزائدة في غرب المحيط الهادئ وشرق المحيط الهندي، فإنها تساهم في موجات الجفاف المتتالية في كينيا والصومال وجنوب إثيوبيا.
يساعدنا فهم مدى مساهمة تَغير المناخ في الزيادة الشديدة لحرارة المحيطات في استنباط هذه التنبؤات. وهذا يعني أنه يمكننا المساعدة في توقع نقص الغذاء في مناطق معينة.
استخدمنا في عامي 2016 و2017 نتاج ملاحظتنا لدرجات حرارة سطح البحر للمساعدة في الحث على خلق تحذير عالمي حول هذه الأزمات، والذي نتج عنه ردات فعل أكثر إنسانية؛ فمثلًا في عام 2017، ساهم ذلك في مساعدة ملايين من الناس في الصومال عندما خيبت الأمطار توقعاتنا بالهطول.
نستخدم الآن في 2021 و2022 وسائل مضادة لظاهرة لا نينيا والتنبؤات طويلة الأمد بالنسبة لطبيعة ظروف غرب المحيط الهادئ لعمل تنبؤات تسبق كارثة الجفاف – من المتوقع أن يحدث نقص في الأمطار لموسم عام 2022 بداية من شهر مارس حتى شهر مايو.
تحسنت قدرتنا على خلق تنبؤات دقيقة حول المناخ ولكن ما زال الطريق طويلًا.
ما يجب علينا تغييره
يُمكن استخدام المعلومات التي نتوصّل إليها – وهذا هو واقع الحال – للمساعدة في تحفيز المزيد من الخطط والأنشطة التي تساعد في الحد من كارثة الجفاف. على سبيل المثال، في عامي 2015 و2018، توقعت التنبؤات الخاصة بظاهرة النينيو المواسم الجافة في الجنوب الأفريقي.
ولكن ما زال الطريق طويلًا أمامنا. فترتكز إدارة الحد من مخاطر الجفاف على ثلاث ركائز؛ رصد الجفاف والتنبؤ به وتقييم نسبة خطورته وقابلية التأثر به والتأهب له والتخفيف من حدته ودرجة الاستجابة له.
يبدو لي، في هذه المرحلة، أن الركيزة الأولى قد تقدمت أكثر من الركيزتين الثانية والثالثة. هناك حاجة إلى مزيد من التدخلات للتخفيف من الآثار المدمرة للجفاف. وهذا من شأنه أن يساعد في كسر الرابط الذي يربط التقلبات المناخية الحادة بالحالة الاجتماعية والأمن الغذائي للسكان.
تشمل الأمثلة على الإجراءات المبكرة:
- تقديم المساعدات المادية للمزارعين والرعاة المستضعفين،
- توزيع البذور المقاومة للجفاف ،
- إجراء حملات علاج صحة الحيوان
- توفير الأعلاف التكميلية للماشية ،
- توفير المياه الصالحة للشرب للمدارس
- مساعدة العائلات من خلال المدفوعات النقدية حتى يتمكنوا من تحمل تكاليف إبقاء أطفالهم في المدرسة.
ومع ذلك، هناك بعض التطورات المثيرة.
بدأت وكالات المعونة الإنسانية، مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) والصليب الأحمر/الهلال الأحمر، في اختبار أنظمة اتخاذ “الإجراءات المُبكرة” التي تستخدم التنبؤات بطريقة فعالة. على سبيل المثال، يتعاون مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) مع الحكومة الإثيوبية في تنفيذ الإطار العام للإجراءات المتوقع اتخاذها.
هناك طريق آخر لتحسين القدرة على الصمود ينطوي على تحسين اتخاذ القرارات الخاصة بالزراعة. في عام 2020 ، بدأ مركز المخاطر المناخية العمل مع PlantVillage، وإدارة الأرصاد الجوية الكينية، وShambaShapeUp لبدء تقديم ملاحظات حول نسبة هطول الأمطار وتنبؤات وارشادات زراعية لمئات الآلاف من المزارعين الكينيين. تم ذلك عبر إرسال الرسائل النصية القصيرة للمزارعين وأيضًا عبر التلفزيون. توسع PlantVillage في عام 2021 ليشمل الرعاة.
يعمل تغير المناخ على تضخيم العوامل المسببة للجفاف في ظاهرتَي النينيو والنينيا، كما هو موضح في كتابي. من المرجح جدًا أن تجلب السنوات الخمس المقبلة ظاهرة النينيو ولكن بشكل أقوى، مما يساهم في حدوث جفاف مروع آخر في شمال إثيوبيا، وكارثة جفاف أخرى في زيمبابوي، وزامبيا، وبوتسوانا، وموزمبيق، ومدغشقر، وجنوب إفريقيا. من المرجح أن يجلب العام المقبل سلسلة أخرى من موجات الجفاف المرتبطة بظاهرة النينيا إلى شرق إفريقيا.
المؤسسات الإقليمية – مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) ومركز التطبيقات والتنبؤات المناخية، ومركز الخدمات المناخية التابع للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي – وبعض وكالات الأرصاد الجوية الوطنية تحرز تقدمًا كبيرًا في مراقبة الجفاف والتنبؤ به.
أملي أن المعلومات التي يقدمونها يمكن أن تتحول إلى إجراءات مدروسة.
حان الوقت لبدء هذا التغيير. يمكن استخدام البيانات القديمة الخاصة بنسب هطول الأمطار لتحديد المناطق المعرضة للخطر، والتوجيه للاستعداد لمواجهة الجفاف. يجب أن تتغير الاستراتيجية من محاولة إدارة الأزمات إلى محاولة إيقاف الخطر قبل وقوعه.
بقلم: كريس فونك| ترجمة: سلمى سلطان| تدقيق: سحر عثماني| المصدر