ما تعنيه المطالبة بتوليد كهرباء بتكلفةٍ أقل وصديقة للبيئة هو أننا نشهد تغيّرًا في مشهد الطاقة بسرعة غير مسبوقة. ويشمل ذلك الكهرباء المولَّدة بالطاقة الشمسية وبطاريات التخزين. إذ انخفضت تكلفتهما بمعدلات غير مسبوقة خلال العقد الماضي وتوسع استخدام التقنيات الموفرة للطاقة مثل إضاءة LED.
سيُحدث الوصول إلى الطاقة الشمسية في كل مكان وتخزينها بتكلفة منخفضة تحولا جذريا في كيفية إنتاجنا للطاقة واستخدامنا لها مما سيسمح بإمكانية تشغيل قطاع المواصلات بالكهرباء. كما يمكن أن نخزن الطاقة المتجددة لاستخدامها وقودًا، وأن ندعم من خلالها الأجهزة الحديثة التي تشكل “إنترنت الأشياء” وذلك في حال أمكننا استحداث طرق كيميائية لترشيد الطاقة
ولكن تقنيات الطاقة الحالية لن تقودنا إلى هذا المستقبل، حيث سنبلغ الكفاءة ونتخطى حدود التكلفة قريبًا. فإمكانيتنا محدودة لخفض تكلفة توليد الكهرباء من خلايا السيليكون الشمسية على سبيل المثال.
تتطلب صناعة كل لوح قدرًا كبيرًا من الطاقة كما أن بناء المصانع مُكلف. وعلى الرغم من إمكانية خفض تكلفة الإنتاج قليلا إلا أن ما يطغى على تكلفة تركيب الألواح الشمسية هي التكاليف الإضافية؛ تكلفة التركيب والتوصيل والأجهزة الإلكترونية وغيرها.
ويعني ذلك أن من المستبعد أن تلبي أنظمة الطاقة الشمسية الحالية النسبة المطلوبة لمتطلبات الطاقة العالمية (30 تيرا واط) بسرعة تؤهلنا لمواجهة قضايا مثل تغيّر المناخ؛ إذ تُنتج حاليًا أقل من 1 تيرا واط.
وعلى غرار ذلك، فإن الإضاءة الموفِرة للطاقة LED وتقنيات العرض الحالية مكلفة جدًا وألوانها ليست جيدة بما يكفي لتحل محل الإضاءة التقليدية في مدة قصيرة فعلًا. وهذه مشكلة بحد ذاتها؛ فالإضاءة حاليًا سبب من أسباب انبعاث 5% من الكربون في العالم. ومن الضروري سد هذه الحاجة سريعًا.
هاليد البيروفسكايت
يعمل مختبرنا في كامبريدج، إنجلترا، مع مجموعة واعدة من المواد تُعرف باسم هاليد البيروفسكايت. وهي أشباه موصلات تعمل على توصيل الشحنات عندما تُحفَّز بالضوء. توضع أحبار البيروفسكايت على الزجاج أو البلاستيك لصنع أفلام رقيقة جدًا بسمك جزء من مئة من عرض شعرة إنسان، وتُصنع من المعدن والهاليد والأيونات العضوية. وعندما توضع بين أقطاب موصلة تصنع هذه الرقائق خلايا شمسية أو أجهزة موفرة للطاقة LED.
والمذهل أن بالإمكان تغيير ألوان الضوء التي تمتصها أو تنبعث منها ببساطة من خلال تعديل تركيبتها الكيميائية. وبتغيير طريقة إنتاجها، يمكننا أن نصممها على نحو مناسب أكثر لامتصاص الضوء ( الألواح الشمسية) أو لينبعث منها الضوء (مصدر ثنائي باعث للضوء). وسيسمح لنا ذلك بإنتاج خلايا شمسية بألوان مختلفة وبواعث ضوئية تبعث الضوء من الأشعة فوق البنفسجية عبر الأشعة تحت الحمراء المرئية والقريبة.
وعلى الرغم من تكلفتها المنخفضة وتعدد استخداماتها، إلا أن هذه المواد أثبتت كفاءتها العالية في كونها خلايا شمسية وبواعث ضوئية معا. وبلغت كفاءة خلايا البيروفسكايت الشمسية 25.2% في 2019، مما يجعلها الثانية مباشرة بعد خلايا السيليكون البلورية التي بلغت كفاءتها 26.7%، كما أن أداء مصابيح البيروفسكايت يقترب فعلًا من أداء البواعث الضوئية العضوية (OLED) المتاحة في السوق.
ويتم تسويق هذه التقانة بشكلٍ سريع وخاصة على صعيد الخلايا الشمسية. حيث بدأت شركة أوكسفورد للخلايا الكهروضوئية ومقرها المملكة المتحدة خط إنتاجٍ وتعمل على تلبية أولى طلبات الشراء في مطلع 2021. وأصدرت شركة التقنيات البولندية Saule نماذج أولية في نهاية 2018 وتتضمن واجهة مبنى تجريبية من خلايا البيروفسكايت الشمسية.
وتتوقع الشركة الصينية المُصنِّعة Microquanta Semiconductor إنتاج أكثر من 200 ألف متر مربع من الألواح الشمسية في خط إنتاجها قبل نهاية العام. وتأتي شركة Swift Solar ومقرها الولايات المتحدة (وهي شركة ساهمتُ في تأسيسها) في الطليعة من حيث الأداء العالي للخلايا وخفة الوزن ومرونة الخصائص.
وبين هذه وشركات أخرى، هنالك تقدُّم سريع.
نوافذ شمسية وألواح مرنة
وعلى عكس خلايا السيليكون التقليدية التي ينبغي أن تكون موحّدة لكفاءة عالية، تتكون أفلام البيروفسكايت من حبيبات فسيفسائية متباينة الحجم (تبدأ من النانومتر إلى المليمتر) والكيمياء، ولكن أداءها مع ذلك يعادل أداء أفضل خلايا السيليكون اليوم. ناهيك عن أن العيوب الصغيرة أو الأعطال في أفلام البيروفسكايت لا تؤدي إلى انقطاع هائل في الطاقة والتي يمكن أن تكون كارثية بالنسبة لألواح السيليكون أو للبواعث الضوئية التجارية.
رغم أننا ما زلنا نحاول فهم هذا، تجبر هذه المواد المجتمع على إعادة كتابة جل ما نعرفه عن أشباه الموصلات المثالية والتي تتمتع بخصائص ضوئية وإلكترونية ممتازة على الرغم من أو حتى بسبب الاضطراب.
ويمكننا نظريًا أن نستخدم هذه المواد لصنع خلايا شمسية مصممة بألوان تتجانس مع ألوان المباني أو المنازل أو النوافذ الشمسية التي تبدو كزجاج مظلل ولكنه يولد طاقة.
ولكن الفرصة الحقيقية تكمن في تطوير خلايا عالية الكفاءة تتخطى كفاءتها خلايا السيليكون. يمكننا على سبيل المثال أن نضع طبقتين بلونين مختلفين من أفلام البيروفسكايت في خلايا شمسية ترادفية. إذ تحصد كل طبقة مناطق مختلفة من الطيف الشمسي مما يرفع الكفاءة الكلية للخلية.
ومن الأمثلة الأخرى ما أصبحت شركة أوكسفورد للخلايا الكهروضوئية رائدة فيه؛ هو إضافة طبقة بيروفسكايت على خلية سيليكون قياسية ورفع كفاءة التقنية الحالية دون تكلفة إضافية تُذكر. ويمكن أن تعزز هذه الطبقات الترادفية كفاءة الألواح الشمسية لأكثر من 30%، والذي سيؤدي بدوره إلى خفض تكلفتي الألواح والنظام بالإضافة إلى خفض أثرهما الاستهلاكي للطاقة.
ويتم تطوير طبقات البيروفسكايت هذه لتصنيع ألواح شمسية مرنة بحيث يمكن طيها كالجرائد وبالتالي خفض التكاليف الإضافية. كما يمكن أن تفتح الخلايا الشمسية خفيفة الوزن وعالية الطاقة آفاقًا لتشغيل المركبات الكهربائية وأقمار الاتصالات الصناعية.
بالنسبة لبواعث الضوء، يمكن أن يحقق البيروفسكايت جودة ألوان مذهلة يمكن أن تُفضي إلى تقنيات عرض مرنة متقدمة. كما يمكن أن يبعث البيروفسكايت ضوءًا أبيض أكثر جودة وأقل تكلفة من بواعث الضوء التجارية الحالية. بالإضافة إلى “درجة حرارة اللون” لكرة يمكن تصنيعها لتعطي ضوءًا أبيض باردًا أو دافئًا أو أي درجة مرغوبة بينهما. فضلًا عن أنها تبعث الحماس، إذ تعمل على بناء قوالب لأجهزة الحاسوب الكمية المستقبلية، وكاشفات الأشعة السينية X-Ray للتصوير الأمني والطبي بجرعات منخفضة جدًا.
وعلى الرغم من أن المنتجات الأولى قد رأت النور بالفعل، إلا أن هنالك عدة تحديات. فمن المشكلات الرئيسية؛ تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. ولكن الأبحاث مُبشرة، وحالما تُحل سيتمكن هاليد البيروفسكايت فعلًا من إحداث نقلة نوعية في إنتاجنا للطاقة واستهلاكها.
بقلم: سام سترانكس | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر