إن قضية عدم المساواة بين الجنسين ليست بقضيةٍ تتعلق أو تؤثر على المرأة فقط ، فعندما يتم حرمان نصف سكان العالم من إمكاناتهم الكاملة ، فإن العالم ككل يُعاني ضررا هائلا. وعلى الرغم من زيادة مستوى الوعي حول القضايا التي تؤثر على المرأة ، إلا أن التقدم في هذا الجانب لا يزال متباطئا.
مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي يقيس الاختلافات بين الرجل والمرأة من خلال أربعة مجالات رئيسية ، هي : الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة، ووفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لـ 144 دولة ، تعاني المرأة حول العالم من فجوة في الأجور. و بالاعتماد على المعدل الحالي للتقدّم ، فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير على أن الأمر سيستغرق مائة عام أخرى لسد هذه الفجوة. إن هذه البيانات مجرد لقطة جزئية صغيرة من صورة أكبر تتضمن كل شيء بدءًا من التحرش الجنسي إلى القوالب النمطية الثقافية فيما يتعلق بالتمييز الجنسي.
ومع ذلك ، هنالك فرصة واعدة يتعيّن توظيفها لمستقبل المساواة بين الجنسين ، فالتكنولوجيا تمنحنا أدوات لمواجهة قضية عدم المساواة بين الجنسين ، وتمكين المرأة.
القوى العاملة المؤقتة
في حين يوجد العديد من التفسيرات لتبرير الفجوة في الأجور بين الجنسين، إلا أن هناك عاملا مساعدا أساسيا هو دور المرأة كمقدّمة للرعاية، فبحسب ما ورد في دراسات مختلفة، هناك انخفاضٌ حاد في دخل المرأة (مقابل ذلك، الرجل لا يواجه نفس الانخفاض) بعد ولادتها للطفل الأول، مما خلق أثرًا تراكميًّا كبيرا على فجوة الأجور بين الجنسين. والأمهات هنّ الأقل احتمالاً للحصول على وظيفة تقتضي طبيعتها سفرا وساعات عمل طويلة؛ بسبب التصورات السلبية حول قدرتهن على تحمل مسؤوليات أكبر. وهناك قضية أخرى مهمة تتمثّل في عدم تقديم المرونة الكافية في العمل لمقدّمي الرعاية كالأمهات مثلا ، الذين غالبًا ما يرغبون في خيارات كالعمل عن بُعد أو العمل لساعات عمل مرنة تتناسب مع وضعهم.
إن قضية القوى العاملة المؤقتة التي طفت على السطح، توفر حلا على نطاق واسع للغاية لتلك المشكلة عن طريق كسر الحواجز المادية والجغرافية والاجتماعية داخل حدود القوى العاملة. إن منصات العمل عن بُعد تتيح لملايين النساء العمل من أي مكان في العالم لصالح أي شخص في العالم، هذه المنصات مثل “SheWorks!” و “PowerToFly” لا تتيح للمرأة الوصول إلى فرص للعمل عن بعد وحسب وإنما فرصا مثيرة، بينما تسمح للشركات بإدارة قواها العاملة النائية بشفافية ومسؤولية.
التعليم التكنولوجي ومجتمعات “تمكين المرأة”
إن فجوة التوظيف بين الجنسين في قطاع التكنولوجيا لا يمكن تجاهلها، حيث تشكل المرأة ما نسبته 28% من الحاصلين على مؤهلات جامعية في علوم الحاسوب بينما تشغل المرأة فقط ما نسبته 25% من وظائف قطاع الحوسبة ، كما أنها تشغل ما نسبته 11% فقط من المناصب التنفيذية في شركات وادي السيليكون.
ويُسهم نقص دور المرأة في المجالات التكنولوجية في خلق حلقة مفرغة تثني الشابات الأخريات من دخول هذه الصناعة بسبب الافتقار إلى الإلهام أو القدوة أو حتى نظام الدعم.
إن العالم يشهد ظهورًا للمشاريع التعليمية التي تعالج هذه المشكلة من خلال الوصول إلى فتيات من سنٍّ مبكرة للغاية، فمنصات مثل “Girls Who Code” و “Girls Learning Code” و “Kode With Klossy” توفر للفتيات في شركة “K-12 ” الفرصة لتعلم كيفية البرمجة أثناء تلقي التوجيه من القيادات النسائية في صناعة التكنولوجيا، وقد وصلت هذه البرامج بالفعل إلى مئات الآلاف من الفتيات في أمريكا الشمالية وحدها.
ومع ذلك، إنه لغير كافٍ لامرأة شابة أن تكتسب ببساطة مهارات تنافسية تقنية ومهارات ناعمة ، إذ نحن بحاجةٍ إلى تزويدها أيضًا بنظام دعم وإرشاد وشبكات تتيح لها السير في مسيرتها المهنية بشكل صحيح.
المرأة في منظمة التكنولوجيا الدولية (WITI) هي مثال ممتاز على هذا النشاط. WITI هي شبكة عالمية تضم أكثر من مليوني امرأة تتمتع بحنكة في مجالات التكنولوجيا بهدف “صناعة الإلهام والتواصل والترويج للنساء في مجال الحوسبة والتكنولوجيا”، ولا تميّز المنظمة حسب الجنس ، بل وتشجع الرجال على المشاركة في الفعاليات ، وتُعد خطوة حاسمة لسد الفجوة بين الجنسين.
الوكالات الرقمية
في أكثر الأحيان ، تكون المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصًا ، ليس فقط في المناصب القيادية ، وإنما كمتحدثة في المؤتمرات وفعاليات التواصل أيضًا ، فقد كشفت إحدى الدراسات أن النساء أقل حظًا من الرجال بكثير في أن يُدْعَين للتحدث في المؤتمرات الأكاديمية، ووفقًا للبيانات ، استأثرت العالمات من الإناث بما نسبته 29% من إجمالي المناقشات و 27% من إجمالي المتحدثين المدعوين. يُمكن للتفاعل اللفظي في كثير من الأحيان أن يلعب دورًا محوريًّا في التطور الوظيفي ، ويعني هذا النقص في التمثيل النسائي أن عددًا أقل من النساء يُمنحْنَ الفرصة لمشاركة أفكارهن وإلهام الآخرين.
تهدف المنصات الرقمية مثل Innovation Women إلى حل هذه المشكلة، فهي تعمل على شبكة الإنترنت باعتبارها مكتبًا لرؤية القيادات النسائية الريادية والفنية والإبداعية، ويساعد النظام الأساسي الخاص بها في ربط مديري الفعاليات بالنساء اللواتي يعملن في مجال ريادة الأعمال ، والباحثات ، وغيرهن من الرائدات من ذوات الخبرة التي تهز المسارح!
أدوات للدول النامية
من المهم أن ندرك أنه في الوقت الذي تناضل فيه النساء في بعض أنحاء العالم من أجل الحصول على فرص عمل متساوية ، توجد نساء في مناطق أخرى يناضلن من أجل الحصول على حقوق أساسية للغاية. لذا يستخدم العديد من القادة أدوات التكنولوجيا لتلبية احتياجات وتحديات المرأة في المناطق النامية أو المناطق عالية المخاطر.
وفي هاكاثون عُقد حديثًا (حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات) شاركت في تنظيمه منظمة الأمم المتحدة للمرأة والابتكار في النرويج ، تم الجمع بين مبتكري التكنولوجيا لاستخلاص حلول للتحديات التي يواجهها اللاجئون أو المشردون.
أحد الأمثلة على ذلك هو VIPI Cash ، وهو تطبيق يستخدم تقنية سلسلة الكتل Blockchain للسماح بتحويل الأموال بين النساء صاحبات المشاريع لمنحهن إمكانية الوصول إلى أموالهن الخاصة والتحكم فيها باستقلالية تامة بعيدا عن أفراد أسرهن الذكور. ومن الحلول البارزة الأخرى ، Digital Grab Bag ، وهو التطبيق الذي يجمع ويسجل بيانات تعريف اللاجئين ويوفر عملية تحقق سهلة بين الأقران ، و Diwala ، وهو تطبيق يصدر ما يسمى بـ شهادات ديوالا “Dwala tokens” التي تمكن النساء من خلالها من شراء وبيع الخدمات بدلاً من استخدام النقد بالاضافة إلى إثبات مهاراتهن وإجازتها من خلال التطبيق.
إن سد الفجوة العالمية بين الجنسين يتطلب اعترافا بالاحتياجات المتنوعة للنساء في مختلف أنحاء العالم.
فرصة بـ 12 تريليون دولار
في أي نقاش حول الفجوة بين الجنسين ، من المهم أن ندرك أننا نناقش مجموعة من المشاكل العالمية، وبالتالي، فإنه لسد الفجوة سيتطلب الأمر سلسلة من الحلول على المستويات المحلية والقومية والعالمية في مجالات بدءًا من الرعاية الصحية إلى التعليم.
وفي هذه الحالة لا تكون الفجوة بين الجنسين في العالم مشكلة منهِكة فحسب ، بل أيضًا فرصة هائلة، فالحُجج الخاصة بسد الفجوة ليست مدفوعة من الناحية الأخلاقية فحسب ، بل محفزة اقتصاديًا أيضًا. وفي الواقع ، يمكن أن يؤدي تعزيز مساواة المرأة إلى إضافة 12 تريليون دولار إلى النمو العالمي، والتكنولوجيا بكل أشكالها أو نماذجها، يمكن أن تزودنا بالأدوات التي نحتاج إليها بشدة للتعامل مع هذا التحدي العالمي.
بقلم : Raya Bidshahri | المصدر