يُعد تعلم الآلة أداة مذهلة لترميم الصور القديمة والفيديوهات لدرجة أنها يمكن أن تُعيد التماثيل القديمة إلى الحياة؛ بتحويل التماثيل النصفية الحجرية المتكسرة لأباطرة الرومان الميتين منذ زمن بعيد إلى وجوه شبه حقيقية تتخيلها كما لو أنها تمر بمحاذاتك على الطريق.
هذه الصور من إبداع المصمم “دانييل ڤوشارت”، الذي وصف السلسلة بأنها مشروع حجر صحي خرج عن السيطرة. ولكونه مختصًّا في الواقع الافتراضي في صناعة السينما، توقفت أعماله مؤقتًا نظرًا للجائحة لذا بدأ في استكشاف هوايته في تلوين التماثيل القديمة.
وفي أثناء بحثه عن مواد مناسبة لتحويلها، شرع بالعمل على تماثيل أباطرة الرومان وأنهى تصوراته الأولية لأول 54 إمبراطورًا في يوليو، ولكنه أصدر صورًا محدّثَة ولوحات جديدة للبيع هذا الأسبوع (أغسطس).
وقال ڤوشارت لموقع The Verge إنه صنع 300 لوحة في مجموعته الأولى على أمل أن تُباع خلال عام، إلا أنها نفدت خلال ثلاثة أسابيع وانتشرت على نطاق واسع. كما أضاف “كنت أعلم أن التاريخ الروماني معروف وله جمهور ثابت ولكن كانت سرعة نفاده بمثابة المفاجأة”.
يستخدم ڤوشارت جملة من برامج ومصادر مختلفة لصنع لوحاته. أداته الرئيسية هي برنامج عبر الإنترنت يسمى ArtBreeder؛ يَستخدم تقنية تعلم آلي تُعرف بشبكات الخصومة التوليدية GAN لمعالجة الوجوه والمناظر الطبيعية. إذا تصفحت موقع ArtBreeder ستشاهد مجموعة متنوعة من الوجوه بطراز مختلف؛ يمكن تعديل كل منها بواسطة شريط تمرير كالذي يستخدم في شاشة إنشاء شخصيات ألعاب الفيديو.
زوّد ڤوشارت الموقع بصور جمعها من التماثيل والعملات النقدية واللوحات الفنية وعدّل الوجوه يدويًا وفقًا للوصف التاريخي ثم أدخلها مرة أخرى إلى شبكة الخصومة التوليدية GAN. حيث قال: “كنت أعمل عن طريق الفوتوشوب ثم أحمّل العمل على الموقع وأقوم بتعديله وأعود به لبرنامج الفوتوشوب وأكرر العمل. وهذا ما أسفر عن جودة شديدة الواقعية، وجنبني الحصول على نتائج غريبة”.
وأضاف قائلًا إن هدفه لم يكن صنع نسخ مطابقة للتماثيل بل إنشاء وجوه ذات جودة تبدو مقنعة بجدارة، حيث يستغرق تصميم كل منها يومًا واحدًا. مُعقبًا “ما أفعله هو إنشاء تصوّرٍ فنيٍ من تصوّرٍ فنيٍ آخر”.
ما أفعله هو إنشاء تصوّرٍ فنيٍ من تصوّرٍ فنيٍ آخر
وكوسيلة مساعدة، قال إنه يزوّد شبكة الخصومة التوليدية GAN بصور مشاهير عالية الدقة لرفع مستوى الواقعية. فمثلا، ثمة لمحة من الممثل دانييل كريغ في وجه أوغستوس، بينما استخدم صورًا للمصارع أندريه العملاق لتصميم وجه ماكسيمينوس ثراكس. ويعزى السبب، وفقًا لڤوشارت، إلى أنه يُعتقد بإصابة ثراكس باضطراب الغدة النخامية في شبابه مما أعطى فكّه شكل فك الفانوس “فك طويل وبارز” وضخامة البُنية.
وقد شُخّص أندريه العملاق (اسمه الحقيقي أندريه رينيه روسيموف) بالاضطراب ذاته، لذا أراد ڤوشارت أن يستعير سمات المصارع ليُثخِّن فك ثراكس وحاجبيه. وحسب وصفه، يكاد الأمر يكون تجربة كيميائية حيث يعتمد على خليط دقيق من المدخلات لابتكار منتج متكامل.
ولكن المثير للدهشة هو قول ڤوشارت بأنه لم يكن مهتمًا بالتاريخ الروماني قبل بدء هذا المشروع، إلا أن البحث في حياة هؤلاء الأباطرة لتصميم لوحاته غيّر رأيه. حتى أنه استبعد فكرة السفر إلى روما لأنه كان يعتقد بأنها “فخ للسياح” ولكنه الآن يقول “هنالك متاحف معينة أرغب بزيارتها”.
فضلًا عن أن أعماله قد أدهشت الأكاديميين الذين أثنوا على لوحاته لتَمكنه من إضفاء عمق آخر وواقعية على صور الأباطرة. وقال ڤوشارت أنه تحدث مع مجموعة من أساتذة التاريخ الجامعيين وحملة شهادة الدكتوراه ممن أرشدوه فيما يخص بعض الشخصيات، فاختيار لون البشرة هو أمر يكثر حوله الجدل، بالأخص الأباطرة كسبتيموس سيفيروس الذي يُعتقد بأنه يتحدر من أصول فينيقية أو ربما أمازيغية.
Most dramatic change is Macrinus. I had previously referenced an old bust image found on Getty images.
That bust doesn’t seem to be associated with Macrinus anymore. The narrow nose and bald head were inconsistent with coinage. Whitewashing? Now weighted heavily to bronze bust. pic.twitter.com/tKVXLOSsKW
— Dan Voshart 😷 (@dvoshart) August 21, 2020
ويشير ڤوشارت إلى أنه الإمبراطور الوحيد الذي نمتلك لوحة معاصرة له وهي توندو الأسرة السيفيرية التي ألهمته في اختيار درجات داكنة للون البشرة في تصميمه. “هذه اللوحة… أعني أن الأمر يعتمد على من تسأله ولكنني أرى شخصًا شمال إفريقي داكن البشرة، قد أعتمد على تحيزي الشخصي فيما يخص الوجوه التي أعرفها أو التي التقيتها. ولكن هذا ما فسّرته.”
وكنوع من الشكر، استخدم ڤوشارت صورة أحد الأساتذة المساعدين في جامعة كاليفورنيا الجنوبية USC، والذي يشبه الإمبراطور نومريان بعض الشيء لتصميم وجه الإمبراطور القديم. ومن يدري؟ قد يبقى هذا التصميم لسنوات عديدة. وسيصبح تصورًا فنيًا آخر لمؤرخي المستقبل ليتجادلوا حوله.
بقلم: جيمس ڤنسنت | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق: لمياء العريمية | المصدر