الذكاء الاصطناعي واكتشاف الأدوية

مقال لـ جورج سيف

 

 

لقد سيطر الذكاء الاصطناعي على كل التقنيات الأخرى، فقد كان لدينا الكهرباء، والإنترنت، والآن لدينا الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث

يهدف الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة الذكاء البشري باستخدام أجهزة الحاسب الآلي، وحتى الآن على الأقل فإن البشر أكثر ذكاءً بكثير من الحواسيب، فيمكننا حل المشاكل المعقدة مثل بناء الجسور، وباستطاعتنا فهم مشاعر وعواطف بعضنا البعض فقط من خلال قراءة لغة الجسد، في حين أن جهاز الكمبيوتر لا يستطيع القيام بذلك إلا بعد برمجته بملايين من أسطر التعليمات البرمجية.

إن أجهزة الكمبيوتر رائعة في إجراء العمليات الحسابية بسرعة عالية جدًا، حيث يحتوي الكمبيوتر الشخصي الحديث أو Macbook الذي يمكنك شراؤه من أي مركز تجاري بـ 1000 دولار على معالج يعمل بسرعة 3.0 جيجا هرتز؛ أي ثلاثة مليارات عملية في الثانية.

في هذه الأيام، يستفاد من قوة الحوسبة في بناء الذكاء الاصطناعي من خلال تعليم الحاسب الآلي مفاهيم جديدة، تمامًا كما يمكننا تعليم البشر مهارات جديدة. إن الذكاء الاصطناعي الحديث يعتمد على البيانات، وهذا يعني أنه يبني معرفته من خلال استهلاك البيانات.

 

ولتعليم نظام الذكاء الاصطناعي الحديث على سبيل المثال شكل السيارة، يمكننا تغذيته بصور سيارات ذات نماذج وأشكال وألوان مختلفة وبالتالي سيدرك من خلال هذه الأمثلة خصائص السيارة؛ الشكل والجسم والأجزاء والمظهر العام للسيارة. وعندما يعرض عليه سيارة جديدة، فإنه سيتعرف إليها تلقائيا طالما مرَّ عليه شيءٌ مشابهٌ من قبل.

يُطبِّقُ هذا المفهوم نفسه لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي بالعديد من النماذج في كل صناعة حديثة تقريبًا، حيث يدرب على الاطلاع على الوثائق القانونية وكتابة أفضل العروض الترويجية للعميل، والتنبؤ بالأسهم. كل ما كان علينا فعله هو أن نعرض على الذكاء الاصطناعي الكثير من النماذج من الوثائق القانونية لمختلف القضايا، والعروض الترويجية، وبيانات سوق الأوراق المالية لمعرفة كيفية التعامل معها.

علم اكتشاف الأدوية

يتضمن مجال اكتشاف الأدوية البحث عن الأدوية الجديدة واكتشافها واختبارها. عادة، يمكن القيام بذلك بإحدى طريقتين:

(1) التحديد علميا وبطرق طبيعية للعنصر النشط الذي يؤدي نفس الوظيفة المنشودة من الدواء. على سبيل المثال، العنصر النشط في Advil هو الإيبوبروفين الذي يقلل من الهرمونات المسببة بالتهابٍ وألمٍ في الجسم.

(2) الصُدَف؛ فقد اكُتشف البنسلين عن طريق الصدفة بعد عودة  العالِم الإسكتلندي ألكسندر فليمنج من عطلته، فقد أدرك حينها أنه ترك بالخطأ بكتيريا في المختبر في طبق بتري مفتوح. وعندما فحص الطبق، وجد أن عفنًا دائريًا قد تشكل في منتصف البكتيريا وكانت غير ملوثة إطلاقًا. وتم تصنيف هذا القالب لاحقًا على أنه بنسلين واستمر في إنقاذ ملايين الأرواح.

إن الطريقة الثانية لطيفة للغاية؛ فنحن  نرغب في وقوع مثل هذه الحوادث المحظوظة لنا كل يوم! لكن القيام ببحث علمي حقيقي عن حل هو ما يمكننا الاعتماد عليه كما في الطريقة الأولى وهذا ما يستطيع الذكاء الاصطناعي المساعدة فيه.

الذكاء الاصطناعي واكتشاف الأدوية

كما ندرك جيدًا، يمكن أن يكون العلم معقدًا؛ لا سيما مع شيء تجريبي مثل اكتشاف الأدوية. فلدى العلماء فكرة جيدة عن كيفية تفاعل المواد الكيميائية المختلفة في الجسم والعمل معًا. ولكن مع الأدوية، نحن نتعامل مع الأجسام البشرية، فالمخاطر أكبر بكثير وكذلك التكاليف المرتبطة بالتجربة.

قد يقوم العالم الذي يعمل في اكتشاف الأدوية بإجراء مئات التجارب المخططة والمحسوبة جيدًا على مدار سنوات من العمل. فيبدأ في المختبر حيث تُختبر المواد الكيميائية مع مواد أخرى في شيء مثل طبق بتري أو أنبوب الاختبار، وبمجرد نجاح تلك الاختبارات، تنتقل التجارب إلى القوارض – الفئران والجرذان عادة ثم إلى الكلاب والشمبانزي. وأخيرا وليس آخرا، التجارب البشرية.

هذه الإجراءات دقيقة جدًا وغالبًا ما تستغرق سنوات لإكمالها. ويمكن أن تصل التكاليف إلى مليارات الدولارات كما أن فرصة الفشل كبيرة جدًا، والفشل في أي من هذه المراحل يعيدنا إلى الصفر. وهناك الآلاف من التركيبات الكيميائية، وأغلب العمل يكون تجريبيًّا، حيث يأتي بعض أساس النجاح من الأدلة التجريبية.

غالبًا ما يتعرض المرضى في التجارب البشرية لآثار جانبية لا يمكن التنبؤ بها. وحتى إن كانت التجربة ناجحة لا بدَّ أن تمر على موافقة تنظيمية من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في الولايات المتحدة التي قد تحصل عليها أو لا.

الذكاء الاصطناعي الحديث فعال بشكل خاص في التطبيقات التي تتضمن الكثير من البيانات والكثير من الإجراءات المتكررة، وهذا يؤهل اكتشاف الأدوية ليكون أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وقد تم جمع الكثير من بيانات الاختبارات والكثير من التجارب المتكررة على مدار سنوات.

أحد أكثر الأجزاء صعوبة واستهلاكًا للوقت من اكتشاف الأدوية هو الاكتشاف الفعلي، فالحصول على المركبات الكيميائية الصحيحة بنسب دقيقة هو تحدٍ كبير، إذا أمكن حلها فيمكنها توفير سنوات من الاختبارات والتجارب البشرية.

وهذا ما تركز عليه معظم شركات صنع الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يتم استخدامه للكشف عن تركيبات الأدوية والتعرف إليها، على سبيل المثال، ما الذي من شأنه أن يجعله دواءً جيدًا لهذا التطبيق؟ أو سيئًا؟ وإذا ما قمت بتطبيق هذا الدواء بهذه الطريقة، ماذا سيحدث؟ بطريقة ما، يمكن للذكاء الاصطناعي إجراء نفس التجارب التي يقوم بها العالِم عادة، فقط في محاكاة حاسوبية. بهذه الطريقة، يمكن أن يمر بالعديد من التجارب في فترة زمنية قصيرة جدًا، وبالتالي توفيرٌ كبيرٌ لوقت العلماء والمجتمع ومالِه وصحته.

استعراض تجارب الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية

تقوم Atomwise بتطوير الشبكات العصبونية الالتفافية (CNNs) لإجراء عمليات بحث مكثفة قائمة على التجارب لبعض الأدوية. إن تطوير الدواء المناسب للتطبيق الصحيح هو توازن دقيق لصنع شيء فعال وآمن على حد سواء دون آثار جانبية. وعادةً ما يتطلب هذا العديد من التجارب، ومع ذلك، لسنا متأكدين 100 ٪ من أن الدواء سيكون دائمًا آمنًا بنسبة 100 ٪.  تنقل Atomwise هذا العمل بشكل فعال إلى الكمبيوتر وإلى نظام الذكاء الاصطناعي عن طريق تدريب CNNs على إجراء التجارب تلقائيًا، مما يسمح للعلماء بإجراء ملايين من التجارب لاختيار مجموعة فرعية أكثر موثوقية من الأدوية التي يمكن أن تكون فعالة.

الشركات الناشئة البارزة التي تشبه Atomwise هي Deep Genomics و Schrodinger و Recursion AI

تركز PathAI على التشخيص الدقيق للأمراض، وما يقوم به علماء الأمراض هو تحليل عينات الأنسجة من أجل تشخيصها وتحديد المسار التالي للعمل، خاصةً في حالة وجود مرض محتمل. نظرًا لأن مثل هذه العملية تتطلب اختصاصيا – اختصاصي علم الأمراض، فستكون باهظة الثمن، وتستغرق وقتًا طويلًا، وهي أيضًا عرضة للخطأ البشري في بعض الحالات.

الحل المقترح من PathAI هو تدريب الذكاء الاصطناعي على إجراء هذه الأنواع من التشخيص. ليس من الضروري أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على تشخيص كل الأنسجة بشكل مثالي، ولكن ما يمكن القيام به هو تقليل عبء العمل على أطباء الأمراض بشكل كبير. قيام الذكاء الاصطناعي بفحص جميع عينات الأنسجة، ونظرًا لأنه يتم تشغيله على جهاز كمبيوتر، فهو أقل محدودية من حيث حجم العمل ويمكنه إجراء تحليل معقد للغاية. يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي بعد ذلك تحديد مجموعة فرعية من عينات الأنسجة تلك التي تُعتبر”موضع اهتمام”، وبالتالي لا يلقي الاختصاصي أي اهتمام بالعينات التي يثق في تشخيصها. يمكن أيضًا تدريب الذكاء الاصطناعى على توضيح “مجالات الاهتمام” داخل الأنسجة التي يُعتقد أنه يجب على اختصاصي علم الأمراض إيلاء اهتمام إضافي لها. كل هذه تساعد حقا في تبسيط العملية لكل من العلماء ومرضاهم.

الشركات الناشئة البارزة التي تشبه PathAI هي Paige.AI و IBEX.

هناك العديد من الشركات الناشئة التي تعمل على تحسين التجارب السريرية بهدف جعل العملية بأكملها أكثر فعالية. تقوم شركة Athelas بتطوير جهاز يحلل المؤشرات الحيوية للسرطان من قطرة واحدة من الدم، مما يسمح بإجراء تحليل سريع بشكل لا يصدق لحالة المرض. يقوم برنامج Imagia بتحليل الصور الإشعاعية للتنبؤ بتطور المرض واستجابة المريض للعلاجات المحتملة. تمتلك WinterLight Labs نظامًا يقوم بتقييم ومراقبة الصحة الإدراكية من خلال تحليل عينة قصيرة من الكلام، ويمكن استخدامه لتتبع الحالة المعرفية للمريض خلال التجارب السريرية.

 


بقلم: جورج سيف | ترجمة: زيانة الرقيشية | تدقيق الترجمة: لمياء العريمية | تدقيق لغوي: أفراح السيابية | تحرير: بسام أبو قصيدة | المصدر

Exit mobile version