يستندُ هذا المقال إلى مقال الڤيروس التاجي (كورونا): لماذا يجب عليك التصرف الآن الذي حظي بأكثر من 40 مليون مشاهدة بعد أن تُرجم إلى أكثر من 30 لغة.
ملخص المقال: يجب أن تستمر إجراءات مكافحة الڤيروس التاجي (كورونا) المستجد لبضعة أسابيع، وألا ينبغي أن تصل العدوى حد الذروة، ويمكن أن يُجرَى ذلك كله بتكلفة معقولة للمجتمع؛ وبالتالي تُنقَذُ ملايين الأرواح خلال فترة انتشار الڤيروس. وإذا لم نتخذ هذه الإجراءات، سيُصاب عشرات الملايين ويموت الكثير، بالإضافة إلى أن بعضهم بحاجةٍ إلى رعاية مكثفة؛ لأن نظام الرعاية الصحية سيكون منهارًا حينئذٍ.
في غضون أسبوع، انتقلت البلدان حول العالم من التهوين ” ليس ڤيروس (كورونا) التاجي بالأمر الجلل” إلى إعلان حالة الطوارئ. ومع ذلك، ثمة دول كثيرة لا تبذل قصارى جهدها بعد. لماذا؟
يطرح كلُّ بلد السؤال نفسه: كيف ينبغي لنا أن نتجاوب؟ ليست الإجابة واضحة لهم.
ومذ ذاك، أمرت بعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا والفلبين بفرض عمليات إغلاق صارمة. ودول أخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا وهولندا جرُّوا أقدامهم وغامروا بالتردُّدِ في إجراءات التباعد الاجتماعي.
وإليك ما سنغطِّيه اليوم مرة أخرى بعرضِ الكثيرِ من الرسوم البيانية والبيانات والنماذج، والكثير من المصادر:
- ما معطيات الوضع الحالي؟
- ما الخيارات المتاحة لدينا؟
- ما الشيء المهم الآن: الوقت
- كيف تبدو استراتيجية الڤيروسات التاجية الجيدة؟
- كيف يجب أن نفكر في الآثار الاقتصادية والاجتماعية؟
عندما تفرغ من قراءة المقال، هذا ما ستخلص إليه:
نظامنا في الرعاية الصحية قد بدأ ينهار بالفعل.
أمام البلدان خياران: إما أن تقاوم بشدة الآن، أو ستعاني من وباء واسع النطاق.
إذا اختاروا الوباء، سيموت مئات الآلاف وفي بعض البلدان الملايين،
الأمر الذي لا يخفف من موجات العدوى.
إذا قاتلنا بقوة الآن، فسنحدُّ من الوفيات.
سنسعفُ نظامنا في الرعاية الصحية.
سنستعد بشكل أفضل.
سنتعلم.
لم يسبق للعالم وأن تعلَّمَ بسرعة من قبل أي شيء على الإطلاق.
ونحن بحاجة لذلك، لأننا لا نعرف سوى القليل عن هذا الڤيروس.
سيؤدي بنا هذا إلى أمرٍ بالغ الأهمية: امنحونا الوقت.
إذا اخترنا القتال بقوة، فسيكون ذلك مفاجئًا ثم تدريجيًا.
سنُحْتَجَز لمدة أسابيع وليس أشهر.
ثم سنستعيد حرياتنا أكثر،
وقد لا تعود الأمور أدراجها على الفور، لكن سيكون عهد ذلك قريبًا تدريجيًّا.
ويمكننا فعل كل ذلك بمراعاة بقية أشكال الاقتصاد أيضًا.
حسنًا، لنفعل ذلك.
1. ما الوضع الراهن؟
عرضتُ هذا المنحنى الأسبوع الماضي :
حيث أظهرَ حالات الإصابة بالڤيروس التاجي (كورونا) في جميع أنحاء العالم باستثناء الصين. يمكننا فقط تمييز إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية. لذلك اضطررت إلى التركيز على الزاوية اليمنى السفلية لرؤية الدول الناشئة. وجهة نظري بأكملها هي أنهم سينضمون قريبًا إلى هذه الحالات الثلاث.
دعونا نرى ما حدث منذ ذلك الحين.
كما هو متوقع، فقد انفجر عدد الحالات في عشرات البلدان. اضطررت هنا لإظهار الدول التي لديها أكثر من 1000 حالة فقط. وهنا ملاحظات قليلة:
- لدى إسبانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية حالات أكثر من إيطاليا عندما أمرت بالإغلاق التام.
- هناك 16 دولة أخرى لديها حالات اليوم أكثر من هوبي عندما خضعت للإقفال التام: اليابان وماليزيا وكندا والبرتغال وأستراليا وتشيكيا والبرازيل وقطر لديها حالات أكثر من هوبي ولكن أقل من 1000 حالة. ولدى سويسرا والسويد والنرويج والنمسا وبلجيكا وهولندا والدانمارك أكثر من 1000 حالة.
هل تلاحظ شيئًا غريبًا في قائمة البلدان هذه؟ خارج الصين وإيران اللتين عانين من تفشي أعدادٍ كبيرةٍ لا يمكن إنكارها، والبرازيل وماليزيا، فإن كل بلد في هذه القائمة يعد ضمن الدول الأكثر ثراءً في العالم.
هل تعتقد أن هذا الڤيروس يستهدف الدول الغنية؟ أم يُرجَّح أن قدرة الدول الغنية على التعرف على الڤيروس أفضل؟
من غير المحتمل أن لا تُمَس البلدان الفقيرة. إذ يُرجَّح أن يساعد الطقس الدافئ والرطب على ذلك، لكنه لا يمنع تفشي المرض في حد ذاته – وإلا لن تعاني سنغافورة أو ماليزيا أو البرازيل من تفشيه.
التفسيرات الأكثر ترجيحًا هي أن الڤيروس التاجي (كورونا) إما استغرق وقتًا أطول للوصول إلى هذه البلدان لأنها أقل ارتباطًا، أو أنه موجود بالفعل ولكن هذه البلدان لم تتمكن من استثمار ما يكفي تجريبيًّا لمعرفة ذلك.
إذا كان هذا صحيحًا في كلتا الحالتين، فيعني أن معظم البلدان لن تهرب من الڤيروس التاجي (كورونا). إنها مسألة وقت قبل رؤية تفشي المرض والحاجة إلى اتخاذ التدابير لاحقًا.
ما هي الإجراءات التي يمكن للدول المختلفة اتخاذها؟
2. ما خياراتنا؟
منذ كتابة المقال الأسبوع الفائت، تطور ڤيروس كورونا واتخذت العديد من الدول إجراءاتها، وهنا بعض أهم الأمثلة.
الإجراءات المتخذة في إسبانيا وفرنسا
من جهة، لدينا إسبانيا وفرنسا. وهنا الخط الزمني للإجراءات التي اتخذتها إسبانيا:
يوم الثلاثاء، الثاني عشر من مارس، نفى الملك ما قيل بأن السلطات الإسبانية استخفت بمُهدِّد الصحة.
يوم الجمعة، أعلنوا حالة الطوارئ.
ويوم السبت، اتُّخِذت الإجراءات التالية:
- لا يمكن للناس مغادرة منازلهم إلا لأسباب ضرورية: الذهاب للبقالة أو العمل أو الصيدلية أو المستشفى أو البنك، أو شركة التأمين (للضرورة القصوى).
- حظر خاص على أخذ الأطفال في نزهة، أو رؤية الأصدقاء والأهل (إلا للاعتناء بمن يحتاج المساعدة، مع الاهتمام بالنظافة وترك مسافة).
- تُغلق جميع الحانات والمطاعم ويستثنى من ذلك توصيل الطلبات للمنازل.
- تُغلق كل وسائل الترفيه: الرياضة والأفلام والمتاحف والاحتفالات المحلية.
- لا زوَّار في الأعراس، ولا يحضر العزاء إلا عدد قليل من الناس.
- تبقى المواصلات العامة متاحة.
وفي يوم الإثنين، أُغلِقَت الحدود البرية.
يعد البعض قائمة الإجراءات هذه صارمة، إلا أن البعض الآخر يلوِّحون بأيديهم في الهواء ويصيحون آئسين. وهذا هو الاختلاف الذي يسعى هذا المقال لتسويته.
والخط الزمني للإجراءات التي اتخذتها فرنسا شبيه بالخط الزمني للإجراءات التي اتخذتها إسبانيا إلا أنها استغرقت وقتًا أطول لتطبيقها، وهم يكافحون أكثر الآن. فعلى سبيل المثال، أُجِّلتْ الإيجارات والضرائب عن الدفع وعُلِّقت خدمات الشركات الصغيرة.
الإجراءات المتخذة في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة
وحال الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة حال دول أخرى: مثل سويسرا أو هولندا، إذ تباطؤوا في اتخاذ الإجراءات. وهنا الخط الزمني لإجراءات الولايات المتحدة الأميركية:
– الأربعاء، الحادي عشر من مارس، حُظر السفر.
– الجمعة، أُعلنت حالة طوارئ قومية، بدون ضوابط للتباعد الاجتماعي.
– الإثنين، حثت الحكومة العامة على تجنب الذهاب للمطاعم والحانات والفعاليات التي يحضر فيها أكثر من 10 أشخاص. ولم يُلزَم أحد بالتباعد الاجتماعي. كانت مجرد تلميحات لا غير.
بادرت العديد من الولايات والمدن بفرض ضوابط أكثر صرامة.
وارتأت المملكة المتحدة البريطانية مجموعة مشابهة من الإجراءات: الكثير من التوصيات، والقليل جدًا من الأوامر الرسمية.
وتمثل هاتان المجموعتان من الدول النهجَين المتطرفين لمحاربة ڨيروس كورونا: التخفيف والقمع. دعونا نفهم ما الذي يعنيه ذلك.
الخيار الأول: عدم التصرف
قبل فعل ذلك، لِنَرَ ما الذي جرَّه عدم التصرُّف لدولة كالولايات المتحدة الأميركية:
تساعدك هذه الحسابات الرائعة للوباء على فهم ما قد يحدث لو كانت لدينا سيناريوهات مختلفة.يوضح الرسم البياني في الأسفل العوامل الرئيسية التي تحدد سلوك الڤيروس. لاحظ بأن عدد المصابين، باللون الوردي، بلغ ذروته، أي عشرات الملايين في تاريخ معين. والعديد من المتغيرات أُبقيَت ثابتة افتراضًا، المتغيرات التي تغيرت هي ر من 2,2 إلى 2,4 (تتوافق بشكل أفضل مع المعلومات المتاحة. انظر أسفل الحاسبة الوبائية)، ومعدل الوفيات (4% بحسب تدهور نظام الرعاية الصحية. اطلع على التفاصيل في الأسفل أو في المقال السابق )، مدة البقاء في المستشفى (انخفضت من 20 إلى 10 أيام) ومعدل البقاء في المستشفى (انخفض من 20% إلى 14% على أساس الحالات الشديدة والحرجة. لاحظ بأن منظمة الصحة العالمية ثبتت المعدل 20%) بحسب آخر ما أحصته البحوث الحصرية المتاحة. ولاحظ بأن هذه الأرقام لا تغير النتائج كثيرًا، والتغير الوحيد المهم هو معدل الوفيات.
إن لم نفعل شيئًا، سيصاب الجميع بالعدوى، وسيتدمر نظام الرعاية الصحية، وتتفاقم الوفيات بشكل هائل، وسيموت 10 ملايين من البشر (الخطوط الزرقاء).
وبالاعتماد على الحسابات السريعة والتقريبية: إذا أصيب 75% من الأميركيين، سيموت 4% منهم، وهذا ما يعادل 10 ملايين حالة وفاة أي ما يساوي تقريبا 25 ضعفًا لعدد الوفيات في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية..
قد تتساءل: “قد يبدو ذلك كثيرًا، وما سمعته أقل بكثير!”
إذن، ما الذي ينطوي تحت هذا؟ بوجود هذا الكم من الأرقام، من السهل أن تحتار، لكن ما يهم رقمين، هما: عدد من يُصابون بالڤيروس، وعدد من يتوفى منهم. إذا مرض 25% فقط (لأن البقية مصابون ولا تظهر عليهم أية أعراض ولا يدرجون بوصفهم حالات) وأصبح معدل الوفيات 0,6% عوضا عن 4%، سينتهي الأمر بخمسمائة ألف وفاة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو عددٌ هائلٌ، لكنه أقل بعشرين مرة من ما ذكر بالأعلى.
ولأن معدل الوفيات مهم، دعونا نفهمه بصورة أفضل. ما الذي يتسبب فعلًا بالوفيات الناجمة عن ڤيروس كورونا؟
كيف ينبغي علينا أن نفكر بمعدل الوفيات؟
هذا الرسم البياني هو الرسم السابق نفسه، ولكن سنركِّزُ الآن على الأشخاص الذين تلقَّوا العلاج عوضًا عن المصابين بالعدوى أو المتوفين.
تمثل المنطقة الملونة بالأزرق الفاتح عدد الأشخاص الذين يحتاجون الدخول للمستشفى، أما المنطقة الملونة بالأزرق الداكن فتمثل من ينبغي إدخالهم وحدة العناية المركزة (ICU). ويمكنك ملاحظة أن هذا الرقم قد يصل إلى 3 ملايين.
قارن ذلك الآن بعدد أسرَّة وحدة العناية المركزة ICU التي لدينا في الولايات المتحدة (50 ألف سرير اليوم، ويمكننا مضاعفة هذا العدد باستخدام مساحة أغراض أخرى). وهي الخط الأحمر المنقط.
لا، ذلك ليس خطأً.
يمثل الخط الأحمر المنقط السعة التي لدينا من أسرَّة وحدة العناية المركزة. ويكون كل من فوق ذلك الخط في حالة حرجة ولكن لن يتمكن من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة ومن المرجح أن يموت.
وبدلًا من أسرَّة وحدة العناية المركزة، يمكنك أيضًا أن تلاحظ أجهزة التنفس الاصطناعي. ولكن النتيجة عمومًا هي ذاتها بما أنه يوجد أقل من 100 ألف جهاز تنفس اصطناعي في الولايات المتحدة.
بدءًا من اليوم، هناك مشفى واحد على الأقل في سياتل غير قادر على إجراء التنبيب للمرضى الذين تتعدى أعمارهم 65 عامًا لنقص المعدات، إذ تصل فرصة وفاتهم إلى 90%.
ولهذا السبب، مات الناس بأعداد هائلة في مقاطعة هوبي، وللسبب ذاته يموت الناس بأعداد كبيرة في إيطاليا وإيران حاليًا. إلا أن معدل الوفيات في هوبي كان أقل من المتوقع لأنهم شيّدوا مستشفيين بين ليلة وضحاها. ولكن إيطاليا وإيران غير قادرتين على فعل ذلك. وقلة قليلة من الدول قادرة على فعل ذلك. سنرى ما سينتهي إليه الأمر هناك.
إذن، لماذا يقارب معدل الوفيات 4%؟
إذا كانت 5% من الحالات تتطلب عناية فائقة ولا يمكنك توفيرها فسيموت معظمهم. الأمر بهذه السهولة.
فضلًا عن ذلك، أظهرت بيانات أخيرة أن الحالات في الولايات المتحدة أكثر خطرًا منها في الصين. أتمنى لو انتهى الأمر هنا، ولكنه لم ينته.
الضرر الجانبي
تُظهر هذه الأرقام الأشخاص الذين يموتون بسبب ڤيروس كورونا. لكن ماذا سيحدث إذا انهار نظام رعايتك الصحية برمته بسبب زيادة أعداد المصابين بالڤيروس؟ يموت آخرون إثر أمراضٍ أخرى أيضًا.
ماذا سيحدث إذا تعرضت لنوبة قلبية، ولكن تطلّب وصولُ الإسعاف 50 دقيقة عوضًا عن 8 دقائق (لكثرة حالات المصابين بالڤيروس) وما إن تصل، لا يوجد سرير شاغر في وحدة العناية المركزة ولا طبيب متفرغ؟ ستموت.
هناك 4 ملايين حالة تُدخَل لوحدة العناية المركزة في الولايات المتحدة الأميركية كل عام، و500 ألفٍ (أي ما نسبته 13%) منهم يموتون. وبدون أسرَّة وحدة العناية المركزة، من المرجح أن تصل النسبة إلى 80%. حتى وإن توفي 50%، ففي وباء يستغرق عامًا كاملًا ترتفع الوفيات من 500 ألفًا في العام إلى مليونين. وبالتالي، أنت تضيف 1.5 مليون وفاة بسبب الضرر الجانبي.
إذا تُرك ڤيروس كورونا يتفشى سينهار نظام الرعاية الصحية للولايات المتحدة الأميركية، وستكون الوفيات بالملايين أو ربما ستتعدى 10 ملايين.
وينطبق هذا الفكر على أغلب البلدان. فعدد أسرَّة وحدة العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي ومقدمي الرعاية الصحية في أغلب البلدان مشابه عادة للعدد في الولايات المتحدة الأميركية أو أقل.
إن تفشِّي الڤيروس يؤدي لانهيار نظام الرعاية الصحية وذلك يعني موتًا جماعيًّا.
الآن، آمل أن الأمر واضح وأننا يجب أن نتصرف. والخياران المتاحان هما التخفيف والقمع.
الخيار 2: استراتيجية التخفيف
يعمل التخفيف كالآتي: “يستحيل منع ڤيروس كورونا التاجي الآن؛ لنتركه يأخذ مجراه بينما نحاول خفض نسبة انتقال العدوى. لنعمل على خفض الأعداد ليسهل على نظام الرعاية الصحية التعامل معها“.
يظهر هذا الرسم البياني في ورقة بحثية مهمة جدًا نُشرت في نهاية الأسبوع من الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب، ويبدو أنها قد دفعت حكومتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية لتغيير مساريهما.
وهو مخطط مشابه للسابق من حيث الفكرة. هنا “عدم اتخاذ أي إجراء احترازي” ممثل بالمنحنى الأسود. أما باقي المنحنيات فتمثل ما سيحدث إذا طبَّقنا تدابير تباعد اجتماعي أكثر صرامة. المنحنى الأزرق يوضح إجراءات التباعد الاجتماعي الأكثر صرامة: عزل المصابين وحجر الحالات المشتبه بها وعزل كبار السن.
وهذا الخط الأزرق هو الاستراتيجية الحالية التي تتبعها المملكة المتحدة. إلا أنها لم تجعله إلزاميًا إلى الآن.
نلاحظ هنا مرة أخرى، الخط الأحمر يمثل السعة الاستيعابية لأسرَّة وحدة العناية المركزة، ولكن هذه المرة للمملكة المتحدة. ونلاحظ مرة أخرى أن الخط على مسافة قريبة من المحور السفلي. وتمثل مساحة المنحنى كلها أعلى الخط الأحمر المصابين بالڤيروس الذين سيموتون على الأرجح بسبب نقص موارد وحدة العناية المركزة.
وليس ذلك فحسب، فبتقليص العدد ستنهار وحدات العناية المركزة مما سيؤدي إلى زيادة الضرر الجانبي.
ينبغي أن تُصدم. عندما تسمع: “سنعمل على التخفيف“ بينما يجب أن تسمع فعلا: “سنُثقل كاهل النظام الصحي عمدًا، وسنرفع معدل الوفيات عشرة أضعاف على الأقل“.
لك أن تتخيل أن ذلك سيء بما فيه الكفاية ولكننا لم ننته بعد. فواحدة من الفرضيات الرئيسة لهذه الاستراتيجية ما يطلق عليها “مناعة القطيع”.
مناعة القطيع وطفرة الڤيروس
الفكرة هي أن جميع الأشخاص المصابين بالڤيروس ثم تعافوا منه قد أصبحوا الآن محصنين ضده وهذا هو جوهر هذه الاستراتيجية: “انظر، أعلم بأن الأمر سيكون صعبًا لبعض الوقت، ولكن عندما تنجلي الأزمة ويموت بضعة ملايين من الناس، فإن بقيتنا سيصبحون محصنين ضد الڤيروس، وبالتالي سيتوقف انتشاره وسنقول وداعًا للڤيروس التاجي كورونا. لذلك من الأفضل أن نفعل ذلك وننتهي منه حالًا؛ لأن بديلنا إما التباعد الاجتماعي لمدة تصل إلى عام أو المخاطرة بجعل الڤيروس يصل إلى ذروته لاحقًا على أية حال“.
ولكن ذلك قد يحدث إذا افترضنا أمرًا واحدًا: ألّا يتغير الڤيروس كثيرًا. فإن لم يتغير كثيرًا، سيصبح للعديد من الناس مناعة ضده وسيموت الوباء في مرحلة ما.
ما احتمالية تحوُّر هذا الڤيروس؟
يبدو أنه تحوَّر بالفعل
يُمثل هذا الرسم البياني الطفرات المختلفة للڤيروس. يمكنك أن ترى أن السلالات الأولية بدأت باللون الأرجواني في الصين وهي التي بدأت في التحور فيما بعد. أما السلالات في أوروبا معظمها عائلات صفراء وخضراء، بينما تشهد الولايات المتحدة الأميركية عائلة مختلفة باللون الأحمر. كلما مر الوقت، ستظهر المزيد من هذه السلالات.
لا يجب أن يكون هذا مفاجئًا: تميل ڤيروسات الحمض النووي الريبوزي (RNA-based viruses)، مثل ڤيروس كورونا أو الإنفلونزا إلى التحور أسرع بحوالي 100 مرة من ڤيروسات الحمض النووي الريبوزي منقوصة الأكسجين DNA – على الرغم من أن تحور ڤيروس كورونا أبطأ من ڤيروسات الإنفلونزا.
وليس ذلك فقط، بل إن أفضل طريقة لتحوّر هذا الڤيروس هي أن يكون لديه ملايين الفرص لفعل ذلك، وهذا بالضبط ما ستوفره استراتيجية التخفيف: مئات الملايين من الناس المصابين.
لذلك عليك أخذ لقاح الإنفلونزا كل عام. نظرًا لوجود العديد من سلالات الإنفلونزا بجانب تطور سلالاتٍ جديدةٍ باستمرار، فلا يمكن أن يحميك لقاح الإنفلونزا من جميع السلالات.
وبمعنى أخرى: إن استراتيجية التخفيف لا تفترض ملايين الوفيات لدولة ما، مثل الولايات المتحدة الأميركية أو المملكة المتحدة ، ولكنها تراهن أيضًا على حقيقة أن الڤيروس لن يتحور كثيرًا، مع أننا نعلم أن بوسعه ذلك، ما سيعطيه الفرصة للتحور. فعندما ننتهي من بضع ملايين الوفيات، يمكننا أن نكون مستعدين لبضعة ملايين أخرى كل عام. ومن الممكن لڤيروس كورونا أن يكون حقيقة متكررة في حياتنا كما هو حال الإنفلونزا، ولكن أكثر فتكًا مرات المرات.
إن أفضل طريقة لجعل هذا الفيروس يتحول ويتحوّر، هي ترك الفيروس للحصول على ملايين الفرص ليفعل ذلك، وهذا بالضبط ما توفره استراتيجية التخفيف.
لذا، إن كان عدم اتخاذ أي إجراء احترازي والتخفيف لا ينفعان، فما البديل؟
إنه القمع.
الخيار الثالث: استراتيجية القمع
إن استراتيجية التخفيف لا تحاول احتواء الوباء، بل فقط تسطيح المنحنى قليلًا، بينما تحاول استراتيجية القمع تطبيق إجراءات احترازية صارمة للسيطرة على الوباء بسرعة. على وجه التحديد:
- كن صارمًا الآن. ومُرْ بإجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة، واجعل الأمر تحت السيطرة.
- ثم أصدِر الإجراءات الاحترازية، حتى يتمكن الناس من استعادة حرياتهم تدريجيًا، واستئناف الحياة الاجتماعية والاقتصادية العادية.
كيف يبدو ذلك؟
جميع متغيرات النموذج متشابهة ما عدا أن هناك تدخلًا حاليًا لتقليل معدل انتقال العدوى إلى ر= 0,62، ولأن نظام الرعاية الصحية غير منهار، فإن معدل الوفيات انخفض إلى 0,6%. وعرَّفت “حاليًا” بأن لدينا 32000 حالةً عند تطبيقِ الإجراءات (ثلاثة أضعاف الرقم الرسمي اعتبارًا من اليوم 19/3). ولاحظ بأن هذا ليس حساسًا جدًا لمعدل انتقال العدوى (ر) المختار. فعلى سبيل المثال، يظهر 0,98 من (ر) 15000حالة وفاة، وهي أكثر بخمس مرات من 0,62 من (ر)، ومع ذلك فإنها عشرات الآلاف من الوفيات وليس الملايين. كما أنه ليس حساسًا جدًا على معدل الوفيات: فلو كان 0,7% بدلًا من 0,6% فإن عدد الوفيات سيزداد من 15000 إلى 17000. إنه مزيج من ارتفاع (ر) وارتفاع معدل الوفيات، وتأخير في تطبيق الإجراءات ما قد يفجِّر عدد الوفيات. لهذا السبب علينا اتخاذ إجراءات لتقليل (ر) اليوم. للتوضيح رمز R0 الشهير هو (ر) في البداية (ر في وقت الصفر). وهو معدل انتقال العدوى عندما لا يكون لدى أحدٍ مناعة ضد الڤيروس بعد، ولا وجود لتدابير ضده. إن (ر) هو معدل انتقال العدوى الكلي.
في ظل تطبيق استراتيجية القمع وبعد انتهاء الموجة الأولى يكون عدد الوفيات بالآلاف وليس بالملايين.
لماذا؟ لأننا لا نحدُّ من النمو الأسِّي للحالات فحسب، بل نحد أيضًا من معدل الوفيات بما أن نظام الرعاية الصحية ليس مرهقًا تمامًا. هنا استخدمتُ معدل وفيات بنسبة 0,9% حوالي ما نراه في كوريا الجنوبية اليوم التي كانت أكثر فعالية في اتباع استراتيجية القمع.
وبقول هذا، يبدو أنه بلا تفكير يجب على الجميع اتباع استراتيجية القمع.
لماذا إذن تتردد بعض الحكومات؟
إنهم يخشون من ثلاثة أمور:
- سيستمر أول إغلاق لعدة أشهر وسيكون غير مقبولٍ لدى العديد من الناس.
- سيدمر الإغلاق لمدة أشهر الاقتصاد.
- ولن تُحلَّ المشكلة، لأننا سنؤجل الوباء فقط: وعندما نطلق إجراءات التباعد الاجتماعي فيما بعد، سيظل الناس يصابون بالعدوى بالملايين وسيموتون.
إليك طريقة نمذجة استراتيجية القمع كما أعدّها فريق الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب. تُمثِّل الخطوط الخضراء والصفراء سيناريوهاتٍ مختلفة للقمع. يمكنك أن ترى بأن ذلك لا يُبشِّر بالخير: ما نزال نجني قممًا ضخمةً، فلماذا نهتم بالأمر؟
سنعود لهذه الأسئلة خلال لحظات، لأن ثمة ما هو أكثر أهمية قبل ذلك.
وهذا ينحنى عن الموضوع منحًى آخر
وكما ذُكِر آنفًا، لا يبدو أن الخيارين؛ التخفيف والقمع، صارمان بشكل كاف، فإما أن يموت الكثير من الناس قريبًا ولا يتأثر الاقتصاد الآن، أو أن يتأثر الاقتصاد اليوم، وذلك لتأجيل الوفيات لا غير.
وفي كلتا الحالتين، لم يُكتَرث لأهمية الوقت.
3. قيمة الوقت
شرحنا، في منشورنا السابق، قيمة الوقت لحفظ حيواتنا، ففي كل يوم وكل ساعة نهدرها قبل اتخاذ تدابير ما، سيستمر هذا الوباء الفتاك في التفشي.
فقد رأينا أن يومًا واحدا قد يقلِّص مجمل الإصابات بنسبة 40%، والوفيات بنسبة أكثر حتى.
لكن الوقت أهم بكثير من ذلك.
نحن على وشك أن نواجه أكبر موجة ضغط يتعرض لها نظام الرعاية الصحية في التاريخ على الإطلاق. ونحن غير مهيئين بتاتا لمواجهة عدو لا نعرفه، وهذا موقف ليس في صالحنا أثناء المحاربة.
وماذا لو كنتَ على وشك مواجهة عدوك الأسوأ، الذي تعرف عنه القليل جدًّا، وأمامك خياران فقط: إما أن تركض ناحيته، أو تفرَّ منه مانحًا نفسك وقتًا للتأهب، أيُّهما ستختار؟
وهذا ما نحتاج فعله اليوم. استيقظ العالمُ. فكل يوم نؤجل فيه مواجهة ڤيروس كورونا، يمكننا التهيؤ بصورة أفضل. تفصِّل الأجزاء الآتية ما سيكسبنا الوقت.
تقليل عدد الإصابات
بوجود القمع الفعّال، سيقل عدد الإصابات الفعلية بسرعة هائلة بين عشية وضحاها، كما حدث في هوبي الأسبوع الفائت.
المصدر: تحليل توماس پويو على الرسم البياني والبيانات من مجلة الجمعية الطبية الأمريكية
وبدءًا من اليوم فصاعدًا، لم تُسجَّل أية حالات إصابة بڤيروس كورونا في منطقة هوبي المأهولة بستين مليون شخص.
ومع ذلك، سيستمر تشخيص الحالات لأسبوعين، لكن بعد ذلك، سيتوقفوا عن ذلك بالتدريج. وبوجود حالات أقل، سيشرع معدل الوفيات في الانخفاض، مما سيؤدي إلى تقليص الضرر غير المباشر أيضا، فقد يموت القليل بسبب نظام الرعاية الصحية المدمر وليس جراء ڤيروس كورونا.
- ما الذي يفعله القمع لنا؟
- عدد إصابات أقل بڤيروس كورونا.
- راحة فورية لنظام الرعاية الصحية والعاملين فيه
- انخفاض معدل الوفيات
- تقليص الضرر غير المباشر
- قدرة المصابين، والمعزولين، والمحجورين من العاملين في الرعاية الصحية أن يتحسنوا ويعودوا للعمل. في إيطاليا، يمثل عاملو الرعاية الصحية ما نسبته 8% من إجمالي المصابين بالعدوى.
فهم المشكلة الحقيقة: الفحص والتتبع
الآن، في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، لا يمكن تحديد عدد الإصابات الفعلية، لكننا نعرف بأن الرقم المُصرَّح به رسميا ليس صحيحا، وأن الرقم الصحيح هو عشرات الآلاف من الحالات، وحدث هذا لأننا لا نفحص، ولا نتتبع الحالات.
- وفي غضون أسابيع قليلة، سيتحتم علينا فحص الجميع دون استثناء. وبناء على هذه المعلومات، سنعرف أخيرًا حجم المشكلة، والأماكن التي نحتاج أن نكون فيها أكثر حسمًا، والمجتمعات الآمنة التي يمكن تحريرها من الغلق.
- بإمكان أدوات فحص جديدة تسريع الفحص، وخفض التكاليف بصورة ملحوظة.
- يمكننا أيضا بدء عملية تتبع بالاستفادة من تجارب الصين ودول شرق آسيا الأخرى، بحيث يمكن إيجاد كل من خالطوا المصابين وحجرهم؛ وهذا سيعطينا طريقة لمَّاحة لتحرير ضوابط التباعد الاجتماعي فيما بعد، لأننا إن حددنا مكان الڤيروس، سيكون بإمكاننا استهداف تلك الأماكن فقط. وهذا ليس عصيًّا على الفهم، إنما تتبع للأساسيات التي اتبعتها دول شرق أسيا للسيطرة على تفشي العدوى بدون اللجوء لتشديد التباعد الاجتماعي، والذي غدا ضرورة مُلِحَّة في بقية الدول.
كبحت هذه الإجراءات لوحدها (الفحص والتتبع) تفشي ڤيروس كورونا في كوريا الجنوبية، وجعلته تحت السيطرة، بدون اتخاذ إجراء صارم بفرض التباعد الاجتماعي.
خلق الإمكانيات
إن الولايات المتحدة الأميركية (والمملكة المتحدة على الأرجح) على وشك الدخول في حربٍ بلا دروع.
فالكمامات المتوفرة كافية لمدة أسبوعين فقط، ومعدات الوقاية الشخصية (“PPE “) قليلة، وأجهزة التنفس الصناعي غير كافية، والأسرَّة لوحدة العناية المركزة عددها قليل، كما لا يوجد ما يكفي من أجهزة ECMO (آلات أكسجة الدم)… لهذا السبب قد يكون معدل الوفيات مرتفعًا جدًّا في استراتيجية التخفيف.
لكن إن كان لدينا متسعٌ من الوقت أكثر، بوسعنا أن نغير هذا الوضع:
- لدينا المزيد من الوقت لشراء المعدات التي سنحتاجها لموجة مستقبلية.
- يمكننا أن نزيد بسرعة من إنتاجنا للكمامات ومعدات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعي، وECMOs ، وأي جهاز مهم آخر لتقليل معدل الوفيات.
بعبارة أخرى: نحن لا نحتاج لسنوات للحصول على دروعنا، بل أسابيع. فلنفعل كل ما في وسعنا لبدء إنتاجنا الآن. فالدول مستعدة والناس تبتكر، فمثلا استخدموا الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج أجزاء الجهاز التنفس الصناعي. يمكننا فعل ذلك. نحن بحاجة فقط إلى مزيد من الوقت. فهل ستنتظر بضعة أسابيع لتحصل على الدروع قبل أن تواجه عدوًّا قاتلا؟
هذه ليست الإمكانية الوحيدة التي نحتاجها. سنحتاج لموظفي صحة في أقرب وقت ممكن. من أين سنأتي بهم؟ سنحتاج أن ندرب أشخاصًا لمساعدة الممرضين، والاستعانة بالمتقاعدين من المجال الطبي. ولقد بدأت بذلك العديد من البلدان بالفعل، لكن ذلك يستغرق وقتًا. ويمكننا أن نفعل ذلك في غضون بضعة أسابيع، لكن ليس في حالةٍ ينهار فيها كل شيء.
تقليل انتشار العدوى
الناس مرتعبون والڤيروس التاجي (كورونا) ڤيروسٌ جديد. وهناك الكثير من الأمور التي لا نعرف كيف نتعامل معها حتى الآن! فلم يتعلم الناس كيف يتوقفون عن المصافحة، كما أنهم ما يزالون يتعانقون ولا يفتحون الأبواب بكوعهم ولا يغسلون أيديهم بعد لمس مقبض الباب ولا يطهِّرون الطاولات قبل الجلوس.
بمجرد حصولنا على كمامات كافية، يمكننا استخدامها خارج نظام الرعاية الصحية أيضًا. أما في الوقت الحالي، فمن الأفضل الاحتفاظ بها للعاملين في مجال الرعاية الصحية. ولكن إذا لم تكن الكمامات شحيحة، فينبغي أن يرتديها الناس في حياتهم اليومية، مما يقلل من احتمالية نقلهم العدوى للآخرين عند المرض، و يقلل أيضًا بالتدريب الصحيح من احتمالية إصابة مرتديها. (في هذه الأثناء، ارتداء شيء أفضل من لا شيء).
وكل هذه الطرق لتقليل معدل الانتشار رخيصة جدًا. وكلما قل انتشار هذا الڤيروس، قلت الإجراءات التي سنحتاجها في المستقبل لاحتوائه. لكننا نحتاج إلى وقت لتثقيف الناس حول كل هذه الإجراءات وتأهيلهم.
فهم الڤيروس
نعرف القليل جدًا عن الڤيروس. لكن في كل أسبوع، تُنشَر مئات الأوراق البحثية الجديدة.
وأخيرا اتحد العالم ضد عدو مشترك. وتحرك الباحثون من جميع أنحاء العالم لفهم هذا الڤيروس بشكل أفضل.
كيف ينتشر الڤيروس؟
كيف يمكن تقليل سرعة انتقال العدوى؟
ما القواسم المشتركة بين حاملي الأعراض؟
هل هو معدٍ؟ وإلى أي حد؟
ما العلاجات الفعالة؟
لكم من الوقت يمكن أن يعيش؟
على أي الأسطح؟
كيف تؤثر تدابير التباعد الاجتماعي المختلفة على معدل الانتقال؟
ما تكلفتها؟
ما أفضل الإجراءات للمتابعة؟
ما مدى صحة فحوصاتنا؟
ستساعد الإجابات الواضحة على هذه الأسئلة في جعل استجابتنا موجهة قدر الإمكان وستقلل من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الجانبية. وستظهر في غضون أسابيع وليس سنوات.
البحث عن العلاج
ليس ذلك فقط، لكن ماذا لو عثرنا على علاج في الأسابيع القليلة الآتية؟ أي يوم ندَّخره يقرِّبنا من ذلك. هناك بالفعل عدد من الأدوية المرشحة، مثل Favipiravir أو Chloroquine أو Chloroquine مع Azithromycin. ماذا لو اتضح أنه خلال شهرين قد اكتشفنا علاجًا للڤيروس التاجي؟ ما مدى الغباء الذي قد نبدو عليه إذا كان لدينا بالفعل ملايين الوفيات باتباع استراتيجية التخفيف؟
فهم التكاليف والمنافع
يمكن لجميع العوامل المذكورة أعلاه أن تساعدنا في إنقاذ ملايين الأرواح، و ينبغي أن يكون ذلك كافيا. ومن المؤسف، أن السياسيين لا يستطيعون التفكير بحياة المصابين فحسب، بل يتعين عليهم أن يفكروا في كل السكان، وتدابير التباعد الاجتماعي الثقيلة تترك أثرًا على الآخرين.
وفي الوقت الراهن، ليس لدينا أدنى فكرة عن كيفية عمل تدابير التباعد الاجتماعي المختلفة للحد من انتشار العدوى. وليس لدينا أيضًا أية فكرة عن تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية.
أليس من الصعب قليلاً تحديد التدابير التي نحتاجها على المدى الطويل إذا لم نعرف تكلفتها أو منفعتها؟
وبضعة أسابيع ستمنحنا الوقت الكافي للبدء في دراستها وفهمها وترتيبها حسب الأولوية، وتحديد أي منها ينبغي أن نتبع.
عدد أقل من الحالات وفهم أكبر للمشكلة وبناء الأصول وفهم الڤيروس وفهم التكاليف والمنافع للتدابير المختلفة وتثقيف العامة… هذه بعض الأدوات الأساسية لمكافحة الڤيروس، ونحن بحاجة فقط لبضعة أسابيع لتطوير العديد منها. ألن يكون من الغباء أن نلتزم باستراتيجية تلقي بنا بالأحرى بين فكَّي عدونا، غير المستعدين له؟
4. التوقِّي والتصدِّي
نحن ندرك الآن بأن استراتيجية التخفيف ما هي إلا خيار فظيع، في حين أن سياسة القمع ذات تأثير عظيم في فترة قصيرة جدًا.
لكن لدى الناس مخاوف منطقية بشأن هذه الاستراتيجية:
كم من الوقت ستستمر؟
كم ستكلف هذه الاستراتيجية؟
هل هناك احتمالية وجود قمة أخرى تجعلنا وكأننا لم نفعل شيئًا أبدًا؟
هنا سنركز على استراتيجية القمع عن قرب، وسنُطلق عليها التوقّي والتصدِّي.
التوقِّي (المطرقة)
أولًا أنت تتصرف بعجلة وشدّة. ولكل الأسباب التي ذكرناها سابقًا ولأننا نُدرك قيمة الوقت في هذه المسألة، نريد إخماد هذا الشيء في أقرب وقت ممكن.
واحد من الأسئلة المهمة جدًا، إلى متى سيستمر هذا؟
إن أكبر المخاوف التي يواجهها الجميع الآن هو بأننا سنُحبس في منازلنا لأشهرٍ لا نعلم عددها، مع وجود كارثة اقتصادية وانهيارات عقلية، وللأسف هذه الفكرة أُضيفت في الورقة المشهورة للكلية الملكية
هل تتذكرون هذا المخطط؟ تشير المنطقة الزرقاء الفاتحة إلى الفترة بين نهاية مارس وحتى نهاية أغسطس والتي أشارت فيها الورقة البحثية لاستراتيجية (التوقِّي) أو القمع الأولي والذي يتضمن تباعدًا اجتماعيًا مكثفًا.
إذا كنتَ سياسيًا ستبدو لك هذه الخيارات غير مقنعة؛ الخيار الأول باتباع استراتيجية التخفيف وترك مئات الآلاف للموت، أو الذهاب للخيار الآخر وهو إيقاف الاقتصاد لمدة 5 أشهر قبل الوصول لذروة أخرى من الوفيات.
ولكن ليس بالضرورة أن يحصل هذا.، لقد اُنتقدت هذه الورقة بقسوة لسببين: لتجاهلها تتبع الاتصال (محور سياسة الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها) أو قيود السفر(حاسمة في الصين)، وأيضًا تجاهل تأثير الحشود الكبيرة.
الوقت الذي ستستغرقه سياسة (التوقِّي) أو القمع، أسابيع وليس أشهر.
يُظهر هذا المخطط البياني الحالات الجديدة في منطقة هوبي (60 مليون نسمة) كل يوم من تاريخ 23 يناير. وفي غضون أسبوعين، بدأت البلاد بالعودة للعمل، وفي 5 أسابيع أصبحت المنطقة تحت السيطرة تمامًا والإصابات الجديدة المكتشفة في الأسبوع السابع كانت قليلة جدًا. لنتذكّر بأن هذه المنطقة كانت الأسوأ في الصين.
تذكّر مجددًا بأن هذه متمثلة في المؤشرات البرتقالية، اللون الرمادي يشير للحالات المؤكدة التي تناقصت في وقت سابق (انظر للمخطط 9).
إن الإجراءات المتخذة هنا تشبه إلى حد ما تلك التي اتخذتها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا: العزل، الحجر الصحي، على الناس أن يلزموا منازلهم إلا في الحالات الطارئة أو شراء الطعام وتتبع الاتصال والفحص والمزيد من أسرَّة المستشفى وحظر السفر…
أيًّا كان، التفاصيل مهمة جدًا.
إن التدابير والإجراءات التي اتخذتها الصين حازمة بشكل أكبر، على سبيل المثال، كان يُسمح لشخص واحد فقط من كل عائلة بالخروج مرة كل ثلاثة أيام لشراء الطعام.
كانت إجراءات قاسية وإجبارية لكنها أوقفت الوباء بشكل أسرع.
وفي إيطاليا، وفرنسا وإسبانيا، لم تكن الإجراءات حازمة بهذا الشكل ولم يكن تنفيذها كافيًا، ما يزال الناس يمشون في الشوارع، والعديد منهم لا يتخذون الإجراءات الوقائية، ومن المحتمل أن التوقِّي سيُبطَّأُ ( يحتاجون للمزيد من الوقت للسيطرة على الوباء بشكل كامل).
يفسر بعض الناس هذه الحالة بقولهم:” لن يستطيع النظام الدِموقراطي السيطرة على عدد الحالات“ وهذا خاطيء.
لعدة أسابيع، عانت كوريا الجنوبية من أسوأ وباء خارج الصين، أما الآن فهي تحت السيطرة إلى حد كبير، ولم يُحَقَّق ذلك من خلال مطالبة الناس بالبقاء في منازلهم وإنما من خلال الاختبارات الشرسة، وسياسة تتبع الاتصال وفرض الحجر الصحي والعزل.
يعطي الجدول التالي لمحة جيدة عن الإجراءات المتخذة في دول مختلفة وكيف أثر ذلك عليها (هذا العمل قيد التنفيذ، ملاحظاتكم مُرحبٌ بها).
يوضح هذا المخطط مدى استعداد البلدان قبل وصول الوباء إليها، ومواجهته بسلطة وقائية كبيرة، وتوعية المجتمع حول النظافة والتباعد الاجتماعي والكشف المبكر والحجر المنزلي حتى لا يكلفها تدابير أثقل بعد ذلك.
وعلى عكس ذلك، فإن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا لم تعمل بشكل جيد مسبقًا لذلك كلفها هذا تطبيق سياسة التوقِّي للتمكن من السيطرة على الوباء.
إن نقص الإجراءات في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة على النقيض تمامًا، خاصة في الأولى. وما يزال هذان البلدان لا يطبقان ما جعل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة تسيطر على الڤيروس وانتشاره، لكنها مسألة وقت، إما أن يتداركوا الموقف ويسيطروا على تفشي الڤيروس باستخدام إجراءات توقٍّ أثقل، وإما أن يتأخروا وينتشر الڤيروس بشكل واسع النطاق.
إن هذا ممكن جدًا. فإن استطاعت كوريا الجنوبية السيطرة على انتشار الڤيروس في أسابيع وبدون تباعد اجتماعي صارم، فإن هذه الدول الغربية والتي بدأت استخدام إجراءات تَوقٍّ ثقيلة وسياسات تباعد اجتماعي صارمة، فيمكنها بالتأكيد احتواء انتشار الڤيروس في غضون أسابيع، هي فقط مسألة انضباط والتزام من السكان بالقواعد المرسومة.
وبمجرد وجود الإجراءات الوقائية في حيِّزِ التطبيق وتفشي الڤيروس تحت السيطرة، تبدأ المرحلة التالية: التصدِّي.
التصدِّي
إذا اتُّخذِت الإجراءات الوقائية بشكل صحيح (استخدام الحزم والصرامة) وطوِّق ڤيروس كورونا، سيسهل التحكم بانتشاره في غضون أسابيع، الآن يأتي الجهد طويل الأمد لاحتواء الڤيروس حتى يُعثَر على لقاح له.
ربما يكون الخطأ الأكبر الذي يرتكبه الناس عند التفكير في هذه المرحلة هو اعتقادهم أنها ستبقيهم في المنزل لأشهر، ولكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق والواقع أنه من المرجح أن تعود حياتنا إلى ما يقرب من وضعها الطبيعي.
التصدِّي في الدول الناجحة
إذن ، كيف كان الحال في كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان واليابان لفترة طويلة، وآلاف الحالات التي شهدتها كوريا الجنوبية ورغم ذلك فإنها لم تعد حبيسة المنزل؟
https://www.bbc.com/news/av/world-asia-51897979/coronavirus-south-korea-seeing-a-stabilising-trend
في هذا الفيديو ، تشرح وزيرة خارجية كوريا الجنوبية كيف تصدت بلادها لذلك موضحةً أن الأمر كان في غاية البساطة: الفحص والتعقب الفعَّالَين وحظر السفر والعزل الفعال وكذلك الحجر الصحي الفعال.
تشرح هذه الدراسة نهج سنغافورة:
تود تخمين إجراءاتهم؟ إنها الإجراءات ذاتها المتبعة في كوريا الجنوبية. وفي وضع هؤلاء الأشخاص، فإنهم يكملونها بمساعدة اقتصادية لمن هم في الحجر الصحي ومن لديهم حظر للسفر.
هل فات الأوان بالنسبة للدول الأخرى؟ بالطبع لا، من خلال تطبيق التوقِّي ستحصل الدول على فرصة جديدة لفعل ذك بشكل صحيح.
ولكن ماذا إذا لم تكن هذه التدابير كافية ؟
التصدِّي لمعدل التكاثر (ر)
أطلقُ على هذه الفترة التي تمتد لأشهر بين التوقِّي واللقاح اسم مرحلة التصدِّي، لأن الإجراءات لن تستمر بالحدة ذاتها طوال تلك الفترة وبالتالي ستشهد بعض المناطق تفشي المرض من جديد، بينما لن تشهد مناطق أخرى أي إصابات لفترة طويلة، وذلك يعتمد على كيفية تطور الحالات، وبالتالي سنحتاج إلى تشديد إجراءات التباعد الاجتماعي أو سنتمكن من إطلاق سراحهم. يطلق على هذه العملية بالتصدِّي لمعدل التكاثر. وهي التصدِّي بالتدابير بين إعادة حياتنا إلى مسارها الصحيح ونشر المرض، فواحدة تخص الاقتصاد والأخرى تعود للرعاية الصحية.
كيف يُجرَى هذا التصدِّي؟
كل شيء يتعلق بـ (ر). وإن تذكرت، فهو معدل انتقال العدوى. ففي وقت مبكر من هذا العام، وفي دولة غير مهيأة قد تنتقل العدوى فيها بين شخصين إلى ثلاثة أشخاص وبالتالي في غضون بضعة أسابيع التي يصاب فيها شخص ما بالعدوى سينقل هذه العدوى بين شخصين إلى ثلاثة آخرين في المتوسط.
إذا كان (ر) أعلى من 1 تنمو العدوى بشكل كبير لتصبح وباء، أما إذا كان أقل من 1 فإنها تموت.
إن الهدف من التوقِّي هو الحصول على (ر) أقرب للصفر في أسرع وقت ممكن لإخماد الوباء، ففي مدينة ووهان حُسِبَ أن معدل التكاثر كان 3.9 في البداية ثم انخفض إلى 0.32 بعد الإغلاق والحجر المركزي .
ولكن بمجرد الانتقال إلى التصدِّي، فإنك لن تحتاج إلى فعل ذلك بعد الآن، وإنما ستحتاج فقط إلى إبقاء (ر) (أقل من 1) ويمكنك أيضًا فعل ما هو أكثر من ذلك باتباع بعض التدابير البسيطة.
بيانات ومصادر وافتراضات مفصلة هنا
هذه قيمٌ تقديرية لكيفية استجابة مختلف الحالات من المرضى للڤيروس بالإضافة إلى طريقة انتقال العدوى، فلا يعرف أحد الشكل الحقيقي لهذا المنحنى، لكننا جمعنا بيانات من دراسات مختلفة لتقريب ماهيته.
في كل يوم يصاب الناس فيها بالڤيروس، تكون لديهم بعض الاحتمالات لنقل العدوى، وبمرور هذه الأيام المتتالية من نقل العدوى فإنها تضيف ما يصل إلى معدل 2.5 من حالات العدوى.
يُعتقد أن هناك بعض حالات العدوى التي تحدث بالفعل خلال مرحلة “الخلو من الأعراض” ولكن مع بداية ظهور الأعراض، عادة ما يذهب الناس إلى الطبيب ويُشَخَّصون وبالتالي تتقلص عدواهم.
على سبيل المثال، عند إصابتك بالڤيروس في مراحله المبكرة، لن تظهر عليك أي أعراض، لذا ستتصرف كعادتك. فعندما تتحدث مع الناس ستنشر الڤيروس وعندما تلمس أنفك ثم تفتح مقبض الباب سيصاب من هو قادم بعدك لفتح الباب وقد يلمسون أنفهم ويصابون بالعدوى.
كلما تطور نمو الڤيروس بداخلك، كنت أكثر عرضة للعدوى، وبمجرد أن تبدأ الأعراض بالظهور عليك، قد تتوقف تدريجيًّا عن الذهاب إلى العمل والبقاء مستلقيًا على السرير وارتداء الكمام أو البدء في مراجعة الطبيب، فكلما كانت الأعراض أكبر،أبعدت نفسك اجتماعيًا وذلك يقلل من انتشار الڤيروس.
بمجرد خضوعك للعلاج، حتى إذا كنت في مرحلة معدية للغاية، فإن احتمالية نشرك للڤيروس غير كبيرة ما دمت معزولًا.
وهنا يمكنك رؤية التأثير الهائل للسياسات المتبعة مثل تلك التي طُبِّقَت في سنغافورة أو كوريا الجنوبية:
- إذا فُحِصَ الأشخاص بشكل مكثف، فيمكن التعرف إلى إصابتهم حتى قبل ظهور الأعراض عليهم، وفي فترة الحجر الصحي لا يمكنهم نشر أي عدوى.
- إذا دُرِّبَ الأشخاص على إدراك أعراضهم مبكرًا، فإنهم يقللون من عدد الأيام باللون الأزرق وبالتالي تقل أيضًا قابلية انتقال العدوى بشكل عام.
- إذا عُزِلَ الأشخاص بمجرد ظهور الأعراض لديهم فإن العدوى من المرحلة البرتقالية تختفي.
- إذا ثُقِّفَ الناس في الحفاظ على المسافة الشخصية بينهم والآخرين وارتداء الكمامات ومداومة غسل اليدين وتطهير الأماكن، فإن نسبة انتشار الڤيروس أقل طوال هذه الفترة.
عندما تنعدم هذه كلها، يصبح ملاذنا الوحيد العثور على طرق أكثر صرامة لتطبيق التباعد الاجتماعي.
معدل العائد من الاستثمار في التباعد الاجتماعي
إذا اعتمدنا هذه الإجراءات كلها، سنكون أعلى بكثير من معدل التكاثر(ر) =1 وبالتالي علينا أن نقلل من عدد الأشخاص الذين يقابلهم الشخص الواحد.
وهناك طرق غير مكلفة للقيام بذلك مثل منع تنظيم الفعاليات التي يتجمع بها حشد يزيد على عدد محدد من الناس ( 500 أو 50 شخصًا). وأن يعمل الأشخاص القادرون على تطبيق سياسات العمل عن بعد من منازلهم.
وبالطبع فتوجد حلول مكلفة مثل إغلاق المدارس والجامعات وفرض البقاء في المنزل على الجميع، أو إغلاق المطاعم والمقاهي.
ملاحظة: لا توجد لدينا فعليًا أرقام تعبر عن المعطيات ولكن قد نجمع هذه المعلومات خلال الشهر القادم لإعداد بيانات كمية.
علاوة على ذلك فإن المخطط البياني ينص على تراكمية هذه المعطيات في حين أن ذلك ليس صحيحًا على أرض الواقع حيث أن طلب إبقاء مسافة مترين بين كل شخص وآخر يعد إجراءً كافيًا وبديلا عن كل تلك الإجراءات.
وهذا المخطط البياني هو محض افتراض غير مبني على بيانات كمية؛ فنحن لم نجرِالبحوثَ اللازمة حول الموضوع ولا نملك شبيهًا للمقارنة.
الأمر مأساة، لأن هذا المخطط قد يكون الأهم والأكثر فائدة للسياسيين وصناع القرارات؛ حيث يوضح حقيقة ما يجري في عقولهم.
خلال مرحلة التوقِّي، يريدون خفض الإصابات قدر الإمكان دون المساس بشيء. وفي هوبي وصلت الحكومة إلى الدرجة 0.32 وقد لا نحتاج للسير على خطاهم في هذه الحالة. قد يكفي وصولنا إلى 0.5 أو 0.6
ولكن أثناء مرحلة التصدِّي، يريدون أن يلامسوا حدود الرقم 1 قدر الإمكان والبقاء قريبًا منه لأطول فترة ممكنة.
وذلك يعني أن القادة يفعلون ما يأتي، إن بوعيٍ أو دونه:
- يطرحون كل الاحترازات اللازمة لتقليل معدل “ر”
- يفحصون آثار تطبيق هذه الاحترازات
- يدرسون التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة
- يقيمون المبادرات بناء على قيمتها الاقتصادية وحفظها للمصاريف
- ينتقون المبادرات التي تنصب فيها الأمور المخفّضة لقيمة “ر” حتى تصل لرقم 1 بأقل التكاليف.
ويخدم هذا المثال الأغراض التوضيحية فحسب. البيانات كلها غير حقيقية. ولكن حسب المعطيات المتوفرة حاليًا فإننا بحاجةٍ ماسّةٍ لوجود هذه المعطيات.
في البداية، ستكون الثقة بتحقيق هذه الأرقام ضئيلة، ولكنها ما تزال تعكس طريقة تفكير صُنَّاع القرار والطريقة التي يفترض بهم التفكير بها في مثل هذه الأمور.
ما عليهم فعله بعدئذٍ هو إضفاء طابعٍ رسميٍّ إلى العملية، وذلك عن طريق استيعاب أن هذه لعبة أرقام يجب أن نتعلمها بأقصى سرعة وخاصة فيما يخص موقعنا على منحنى “ر” وتأثير كل إجراء احترازي على التقليل من معدل “ر” وتكاليف ذلك اقتصاديًا واجتماعيًا.
حينئذٍ فقط نكون قادرين على اتخاذ قرارات منطقية حيال الإجراءات التي يجب تطبيقها.
الخلاصة: إن كان للوقت ثمن فلنشتره كله
ما يزال ڤيروس كورونا في انتشار مستمر في جميع أقطار العالم. تعاني 152 دولة – تحديدًا – من تأثير هذه الجائحة، ونحن هنا نسابق الزمن وذلك أمرٌ ليس علينا فعله أساسًا؛ إذ توجد سبل واضحة للتفكير في حيثيات الأمر.
قد تتساءل بعض الدول التي لم تطلها يد الجائحة: “أترى يحدث هذا في بلدنا؟” والجواب هنا: قد حدث ذلك على الأغلب – بصيغة الماضي: حدث دون أن تلحظ.
عندما يبدأ التأثير فعليًا، سيتضرر نظام دولتك الصحي بطريقة أسوأ مما ترى عليه الأنظمة الصحية للدول الغنية التي تتميز عادة بخدماتها الصحية عالية الجودة.
ولذلك عليك البدء بالعمل قبل أن تبكي على اللبن المسكوب.
أما فيما يتعلق بالدول التي تعاني من آثار الڤيروس علنًا، فإن الخيارات جلية للعيان.
من ناحيةٍ، تستطيع الدول أن تلجأ إلى مسار التخفيف من الحدَّة: اخلق جائحة ضخمة واقضِ على نظامك الصحي، تسبب بوفاة عدد هائل من الناس ومن ثم اطلق طفرة جينية من الڤيروس نفسه إلى بقية الدول.
أو تستطيع الدول – من ناحية أخرى – المكافحة أو المحاربة وذلك عن طريق تنفيذ إغلاق تام لعدة أسابيع وذلك سيمنحنا وقتًا أكثر، ومن ثم وضع خطة محكمة مبنية على أدلة ومن ثم التحكم في انتشار الڤيروس حتى نتمكن من إنتاج لقاح.
وقد اختارت عدة حكومات حول العالم -مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وسويسرا وهولندا أسلوب التخفيف من حدَّةِ الأمور حتى الآن.
ويعني ذلك أنهم استسلموا بدلًا من محاربة الڤيروس. ومن جانبٍ، فهم يرون أن العديد من الدول حاربته بنجاحٍ ولكنهم يقولون: “لا يمكننا فعل ذلك!“
اذا لو قال تشرشل الشيء نفسه؟ “إن النازيين يسيطرون على أوروبا كلها ولذلك لا نستطيع قتالهم. فلنستسلم.”
وهذا ما تفعله العديد من حكومات العالم اليوم؛ لا تعطيكَ فرصة محاربة هذا الأمر، بل عليك أن تطالبَ بها.
انشر هذا المحتوى
يؤسفنا أن ملايين الأرواح ما تزال على المحك، ولذلك فإن مشاركتك لهذا المقال – أو غيره من المقالات التوعوية – مفيدة إن ارتأيت أنه قادر على تغيير آراء البعض.
على قادة العالم استيعاب مثل هذا المحتوى لدرءِ هذا الأمر الجلل، ولا وقت أفضل للحراك من لحظتنا هذه.
بقلم: توماس پويو | ترجمة: فريق ترجمات كلمة | تدقيق: عهود المخينية | المصدر