هل يمكن لشرب القهوة أن يساعدك على خسارة الوزن؟

على الرغم من حرصنا على سماع أي فوائد صحية لشرب القهوة، إلا أن العناوين ليست دائمًا كما تبدو!

نَشر باحثون من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة مؤخرًا دراسةً في مجلة Scientific Reports تشير بأن الكافيين يزيد من الدهون البنية.

لفت هذا انتباه الناس؛ لأن نشاط الدهون البنية يحرق الطاقة التي قد تساعد في خسارة الوزن. وزعمت العناوين الرئيسية أن بإمكان شرب القهوة المساعدة  في إنقاص الوزن، وأن القهوة قد تكون”سر مكافحة البدانة“.

لسوء الحظ، إن الأمر أكثر تعقيدًا بقليل من ذلك. اكتشف الباحثون أن الكافيين يحفز الدهون البنية، ولكن هذا كان بشكل رئيسي في خلايا المختبر.

ولكي يجني الإنسان الفوائد التي ظهرت في الخلايا، عليه أن يشرب ما يقارب 100 كوبًا من القهوة على الأقل.

على الرغم من أن جزءًا من هذا البحث أُجري على بشر، إلا أن الطرق المستخدمة لا تجعل من القهوة أو الكافيين خيارًا لإنقاص الوزن.

ما الدهون البنية؟

إن الدهون البنية أنسجة توجد في عمق الجذع والرقبة، وتحتوي على أنواع خلايا دهنية تختلف عن الدهون البيضاء التي نجدها حول محيط الخصر.

تتكيف الخلايا الدهنية البنية مع بيئتنا، وذلك بزيادة كمية الطاقة التي تحرقها أو تقليلها عندما تكون “نشطة” لإنتاج الحرارة لتدفئتنا.

فعندما يشعر الناس بالبرد لأيام أو أسابيع، يتحسن أداء الدهون البنية في حرق الطاقة.

نَعِي بأن الكافيين قد يزيد بعضًا من هذه العمليات أو يطيلها بطريقة غير مباشرة، وذلك بمحاكاة آثار التعرض للبرودة في تحفيز الدهون البنية.

أثارت الدهون البنية – وأي شيء يُعتقد أنه يزيد من نشاطها – اهتمامًا بحثيًا كبيرًا، أملًا بأن تساعد في علاج البدانة.

ماذا فعل الباحثون في هذه الدراسة الأخيرة؟

في بداية الأمر، أجرى فريق البحث تجاربَ على خلايا فئران قد نَمت إلى خلايا دهنية في أطباقٍ بترية، وأضافوا لبعض هذه العينات مادة الكافيين، لمعرفة ما إذا كانت الخلايا المحتوية على الكافيين قد اكتسبت سمات الدهون البنية أكثر من غيرها (وتسمى هذه العملية باسم التسمير Browning).

وتحددت جرعة الكافيين (مليمتر واحد) بناءً على ما قد يكون أعلى تركيزًا لتحويل الخلايا إلى اللون البني دون التسبب بقتلها.

وأظهرت نتائج تجربة استنبات الخلايا الدهنية أن إضافة الكافيين أدَّت إلى “تسمير” الخلايا.

بعد ذلك، وظَّفَ الباحثون مجموعة من تسعة أشخاصٍ شربوا القهوة سريعة التحضير أو الماء على أنه عنصرُ تحكم.

وقبل شُرب المشتركين للقهوة وبعدها، قاسَ الباحثون نشاط الدهون البنية لديهم، وذلك بتقييم درجة حرارة البشرة بالقرب من الرقبة حيث يُعرف أنها المنطقة الرئيسية لتمركز الدهون البنية.

وقد ارتفعت درجة الحرارة فوق منطقة الكتفين بعد شُرب القهوة، بينما لم ترتفع بعد شُرب الماء فقط.

كيف يجب أن نفسر هذه النتائج؟

سينتقد بعض الناس قلة عدد المشاركين الذي بلغ (تسعة)، وأنه لا يجب علينا أن نبني توصيات عامة على السلوك البشري أو الدواء بناءً على دراسات صغيرة كهذه، ولكن يمكننا الاستفادة منها للتعرف إلى نواحٍ جديدة ومثيرة للاهتمام حول كيفية عمل أجسادنا، وهذا ما سعى إليه هؤلاء الباحثون.

حتى وإن كان الارتفاع في درجة الحرارة كبيرًا بعد شرب القهوة، فإن ذلك لا يمكن أن يؤخذ في الحسبان لعدد من الأسباب المهمة.

أولًا، على الرغم من أن الدراسة كشفت ارتفاعًا في درجة الحرارة بعد شرب القهوة؛ إلا أن التحليل الإحصائي للتجربة التي أجريت على البشر لا يشمل بياناتٍ كافية للمقارنة بين المجموعتين اللتين شربتا القهوة والماء بدقة، مما يمنع الحصول على استنتاجاتٍ ذات معنى. أي أنها لا تستخدم الطرق المناسبة التي نطبقها في مجال العلوم لاتخاذ القرار في ما إذا كان الشيء تغيّر فعلًا أم حدث بمحض الصدفة.

استمتع بالقهوة للمذاق أو الضجة، ولكن لا تتوقع أنها ستؤثر على محيط خصرك. الصورة من shutterstock.com

ثانيًا، ليس قياس درجة الحرارة مؤشرًا دقيقًا على الدهون البنية في هذا السياق. وقد تُحُقِّقَ من أن درجة الحرارة وسيلة لقياس الدهون البنية بعد التعرض للبرد، ولكن ليس بعد تناول العقاقير التي تحاكي آثار التعرض للبرد – أي مادة الكافيين في سياق هذه الدراسة.

وقد كشفتُ وغيري من الباحثين أن تأثيرات هذه العقاقير “المحاكية” تنتج آثارًا متنوعة من ضمنها زيادة تدفق الدم إلى الجلد. ولأننا لا نعرف ما إذا كانت هذه التغيرات في درجة الحرارة عائدة إلى الدهون البنية أو عوامل غير ذات صلة، فإن الاعتماد على هذا المقياس قد يكون مشكلة.

على الرغم من أن التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET محدود الإمكانيات، إلا أنه حاليًا أفضل خيارٍ لقياس الدهون البنية النشطة بطريقة مباشرةً.

المهم هو تركيز الجرعة

احتوت القهوة سريعة التحضير المستخدمة في الدراسة على 65 ملجم من الكافيين وهو المقياس لكوب واحد من القهوة، بينما تختلف القهوة المخمرة وقد تكون ضِعف ذلك.

ومع ذلك، فمن الصعب تخيل أن هذه الجرعة قد تزيد حرق الدهون البنية في حين أن الدراسات التي استخدمت فيها جرعات كبيرة من العقاقير قوية المفعول المحاكية للبرد (مثل الإيفيدرين) لم تؤد إلى النتيجة نفسها، أو في أحسن الأحوال زادت نشاط الدهون البنية.

لكن دعونا نلقي نظرة على جرعة الكافيين المستخدمة في تجارب الخلايا. إن مليمترًا واحدًا مركزًا من الكافيين أكبر بعشرين ضعفًا من جرعة 300-600 ملجم من الكافيين التي يتناولها الرياضيون النخبة بصفتها استراتيجية لتعزيز الأداء، وهذه الجرعة أعلى بمقدار خمسة إلى عشرة أضعاف كمية الكافيين التي ستحصل عليها من شرب القهوة سريعة التحضير.

لذلك تقترح الحسابات التقريبية أننا نحتاج لشرب 100 أو 200 كوبٍ من القهوة للوصول إلى آثار “التسمير Browning” للكافيين.

فعلى الناس أن يستمروا بشرب القهوة والتمتع بها، ولكن تقترح الأدلة الحالية ألا نبدأ بالتفكير بها بوصفها أداةً لخسارة الوزن أو أن لها أي علاقة بالدهون البنية لدى الإنسان. – آندرو كاري

تعليقات الزملاء المحايدين

إن هذا الفحص البحثي يعد نقاشًا عادلًا ومتوازنًا للدراسة، فالقيود التي حُددت فيه تنطبق تمامًا على داء السكري الذي شملته الدراسة، ولكن لم يُعطَ حقه الكافي في العناوين الرئيسية.

تحتوي القهوة على أكثر من مادة الكافيين، وعلى الرغم من أن هناك دليلا على أن استهلاك القهوة المتواضع قد يقلل من خطر الإصابة بداء السكري، إلا أنه يبدو بأن للقهوة منزوعة الكافيين نفس تأثير القهوة التي تحتوي على الكافيين. وهذا يتماشى مع النقطة التي أوضحها البحث بأنه عليك أن تشرب عددًا غير معقولٍ من أكواب القهوة لإنتاج التأثير الذي شوهد للكافيين في الخلايا الدهنية المزروعة. – إيان موسغريف


تتحقق هذه الأبحاث من الدراسات حديثة النشر، وكيف تُذكر في وسائل الإعلام. ويحللها  أكاديمي أو أكثر من غير المشاركين في الدراسة، ويُراجعها غيرهم للتأكد من صحتها.


بقلم: أندرو كاري | ترجمة: نورة الدريهم | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

Exit mobile version