اتِّخاذ القرار الأذكى إزاء كوڤيد-19

بقلم: كاسي كوزيركوڤ

إن لم تكن إلى الآن على علمٍ بفيروس كورونا (كوڤيد-19) COVID-19، لربما كنت تختبئ خلف إحدى الصخور هذه الأسابيع الأخيرة (حسنًا. ابقَ هناك). أما بقيتكم على الأرجح يتساءلون ما الذي ينبغي عليَّ فعله، إن أمكنني؟؟

أولًا، إليك ما لا يجب فعله. لا تُبدِ رأيًا غير واعٍ ثم تبحث في وسائل الإعلام عن ما يؤكِّد وجهة نظرك. ستعثر عليه، وقد تشعر بأنكَ أفضل قليلًا، لكن قد يجعلك ذلك تتجاوز المسألة بأكملها،  وهذا مضيعة للوقت. وتدرك بالفعل أنَّكَ ستؤكد فقط ما أردتَ تصديقه. إن كان هذا ما تفعله، إليك هذا الدليل لمساعدتك!

الطريقة الأفضل للتعامل مع الأمور هي:

تنويه: إن خبرتي في مجال البيانات وصنع القرار، لا في مجال علم الأوبئة، لذا فإن هذا دليل لاتخاذ القرار خطوة بخطوة، ومن شأنه أن يساعدك في تنظيم تفكيرك أثناء سعيك للحصول على مشورة بشأن COVID-19 من العلماء الذين يعرفون الكثير عن الأمراض.

الخطوة 0: واجه لاعقلانيتك

 

إن كان هدفك الرئيسي هو أن تشعر بأنك أفضل، ربما سيريحك أن تقرأ في اثنين من الآثار النفسية الخطرة التي قد تقوِّض قدرتك على التعاطي بفعالية مع المعلومات التي تتلقاها.

إذا كنتَ مهتمًا بمعرفة كيف يتلاعبون بعقلك أثناء الوباء، تابع هذه المساحة لرابط مقالة أكتبها عنهم. (قريبًا!) ربما ستكون نوعًا من اللحظات العلاجية بفضل الاقتصاد السلوكي. (لم يقل أحد بذلك؟)


الخطوة الأولى: افهم نفسك وحدد أهدافك

 

ابدأ بالتفكير مليًا بأخلاقياتك وقيمك. في هذه المرحلة، حاول أن تفكر بمصطلحات عامة غير المصطلح الحالي “وباء”. اسأل نفسك أسئلة صعبة عمّا تعدُّه مسؤوليتك تجاه عالمك ومجتمعك وأصدقائك وعائلتك ونفسك. 

وإن لم تكن معتادًا على تقييم أخلاقياتك، فالآن هو الوقت المناسب لتتخذ خطوة ناضجة وتواجه الأسئلة العامة وغير المستساغة مثل: “تحت أية ظروف (إن وجدت) سأكون على استعداد لتعريض حياة شخص غريب للخطر؟ وما مدى الخطر؟ (إذا قُدتَّ سيارتك بجانبِ  الآخرين أو خرجت أثناء إصابتك بنزلة برد، يؤسفني أن أخبرك أنك عرضت حياة الغرباء للخطر فعلًا). 

وبمجرد أن تفهم نفسك وما تَعدُّهُ صوابًا وخطأً، ستشرع في تشكيل رؤيةٍ لأهدافك المتعددة ومدى أهميتها لك. على سبيل المثال، هل برأيك القدرة على الأكل في المطاعم مهمة؟ هل ذلك أكثر أهمية بنظرك من صحة عائلتك؟

ولاحظ أن عليك في هذه المرحلة من عملية القرار أن تتجنَّبَ التفكير في ما إن كان تناول الطعام في الخارج آمنًا أم لا. ستتناول هذا الجانب في الخطوة الخامسة. أما الآن، ليس عليك إلا أن تلتزم بتقييم أهمية الأشياء في نظرك خارجَ سياق ڤيروس اليوم عينه.

تنبيه: لا بد من الإشارة إلى أنني منذ أن أجريت هذا التدريب لنفسي كانت لدي آراء واضحة حول ما هو أخلاقيٌ، لكنني لا أفرض عليك أيًّا من آرائي. ليس الغرض من هذا المنشور إخبارك بالمدى الذي يجب أن تكون به شخصًا لطيفًا (من أنا؟ حكومتك). إنما الغرض منه فقط كيفية اتخاذ القرارات بحكمة في نطاقك الأخلاقي … على الرغم من أنني آمل أنك ستختار أن تكون لطيفًا.


الخطوة الثانية: النظر في الإجراءات المحتملة

 

بمجرد معرفة مكانك، فكِّر بمجموعة من الإجراءات المحتملة التي قد تقرِّرُ اتخاذها في المستقبل القريب. فكِّر في كل شيء؛ بدءًا من غسل يديك أكثر وأكثر، والعمل من المنزل والحجر الصحي الكامل وحتى – لا أعرف! – قراءة الكتيبات التي تتحدث عن كيفية اصطياد الدببة بيديك العاريتين.

من الناحية الفنية، فإن قائمة الإجراءات المحتملة لا حد لها؛ لذلك كلما ظهرتْ في ذهنك إحداها، اسأل نفسك لتوفر الوقت:

• “هل اتخاذ قرار دقيق بشأن ذلك مهم بالنسبة لي؟”

• “هل يمكن لأي شيء أن يقنعني بفعل ذلك؟”

الإجابة بـ “لا” لأي منهما تعني أنه يمكنك توفير الجهد من خلال استهلاكه تمامًا حتى لا تستغرق عمليةَ اتخاذ القرار إلى الأبد.

المثال الأول غير مهم: ليس قرار تكرار غسل يديَّ أكثر من السابق مهمًا بالنسبة لي، لأنه لا يكلفني الكثير. حتى وإن اتَّضح أن ذلك كان  مضيعة للوقت، لن أنزعج. يريحني ذلك وسأستمر في فعله، ولا داعٍ للتفكير والبحث مرارًا. رائع. كان ذلك سهلًا

المثال الثاني — ليس قرارًا حقيقيًا:  لا يوجد شيء (أقصر من سيناريو الخيال العلمي الغريب) وبوسعه أن  يجعلني أصطاد دبًّا بيديّ العاريتين. عظيم؛ ليس هناك قرار عليَّ اتخاذه،  ولم يعد عليّ أن أفكر في هذا الأمر بعد الآن.

بمجرد الانتهاء من العصف الذهني، حاول تناول قائمتك مرتبة حسب الأهمية بحيث تصل إلى الأعظم قبل أن تشعر بالتعب وتذهب لمشاهدة التلفاز. يجب تنفيذ كل خطوة من الخطوات التالية بشكل منفصل (بالتوازي ما لم تكن تبعيات) لكل إجراء.


الخطوة الثالثة: اختر دوافع الإجراء 

 

في كل إجراء محتمل، فكِّر مليًّا في الحقائق التي ستقبل بها على أنها دوافع لهذا الإجراء. إن الدوافع الملائمة علامات قوية بما يكفي على أنَّ مجرى الإجراءات القديم غير متوائم مع أهدافك المحددة (وبالتالي يدفعك لتحوِّلَ إلى الإجراء الجديد بحُسبان).

لنجرب مثالًا. هَب أنك حصلت على تذاكر مسرحية لعرض ليلة الغد وأنت تفكِّر في إجراء تفويت الأداء.

الإجراء الافتراضي: اذهب إلى المسرح كما هو مخططٌ.

الإجراء البديل: غيِّر سلوكك ولا تذهب. 

ستذهب تلقائيًّا إلى العرض وأنت تلتزم بألَّا تذهب إن كان أحد دوافعك حاضرًا. (اخترها بحكمة. إن سمحت لنفسك بالتماهل لاحقًا، فإنك قد أبطلت جدوى بناء اتخاذ قرارك كلها. ولهذا السبب من المهم تصوُّر أنك تلقَّيت المعلومة هذه حقًّا في الواقع ومهمٌ أيضًا التحقق من أنك مقتنع لتتجاوبَ مع إجرائك الجديد).

في هذا القسم، ستحتاج إلى التفكير في أولوياتك، إذا كنت تهتم فقط بصحتك على المدى القصير، فإن دوافعك ستكون في الغالب مرتبطة بمعلومات حول المخاطر الشخصية للإصابة بالفيروس وشدته في محيطك. أما إذا كنت تهتم بمصلحة الآخرين أو بالحصول على الموارد الطبية في الأشهر القليلة القادمة، فيجب عليك أيضاً أن تفكر في الدوافع المرتبطة بـ ” تَسطِيح المنحنى ” وتقليل معدل الإصابات وبالمعلومات حول خطر انتشار المرض (طالما أنه من الإساءة أن يكون من أولوياتك شحن أقرب مستشفى بالمصابين بسببك). ‏ إنه أمر جيد أنك استغرقت بعض الوقت لتقييم هذه الأولويات في الخطوة الأولى، وإلا فكيف ستوجد الدوافع المناسبة؟

إذا كنت غير مُلمٍ بمصطلح “تَسطِيح المنحنى flattening the Curve”،  يمكنك أن تتعلم أكثر هنا

 

قد تختار دوافع متعددة لكل إجراء. وينبغي أن تُصَاغ هذه الدوافع جميعها على أنها معلومات تتلقَّاها. وقد تكون هذه المعلومات عن:

على سبيل المثال، قانون يُسن “ألغت  الحكومة جميع التجمعات الكبيرة التي تزيد عن (س)”.

فعالية: على سبيل المثال “يتجاوز عدد الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس في حدود 10 أميال من مكان عيشي (س)”.

على سبيل المثال، منشور بحثي “يقول العلماء إن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض قادرون على نشر الفيروس”

وهناك مثلًا  قاعدة اجتماعية تقول: “الناس اللطفاء لا يذهبون إلى المسرح هذه الأيام”

نصيحة: “أنصحك بتجنب الأماكن التي يزيد فيها عدد الأشخاص عن  (س) في كل قدم مربع”

تغيير واضح في التكلفة، مثلًا؛ “ستُسترَدُّ جميع التذاكر عند الطلب”

تغيير في تقديرات المخاطر، مثلًا: “إن  كنتُ أتسكع وسط الحشود، فإن احتمال الإصابة بالمرض في الأسبوعين المقبلين على الأقل (س)”

ثمة فئة لم أدرجها في هذه القائمة، مثلًا؛ “سيتبرأ مني صديقي المقرب إذا خرجت”.

[أنصتوا إليَّ يا مهووسي البيانات، إن كنتم معتادين على التفكير من ناحية اختبار الفرضية الإحصائية، قد تصبح الأمور غريبة بالنسبة لكم هنا، لأنني تجاوزت بعض الخطوات لأُبسط الأمر للقارئ العادي. أنصحكم بالنظر في الملحق أدناه حيث شرحت فيه ما يحدث بما هو متعارف عليه؛ الإجراء الافتراضي و فرضية العدم.]


الخطوة الرابعة: اختر المصادر ذات الجودة الأدنى

 

اختر مصادر المعلومات الأدنى جودة والتي يمكنها أن تشكّل دوافعَ سليمة. إذا حصلت على معلومات من مصدر ذي جودة متدنية، ستحاول التحقق منها مع المصدر المختار وعدم التصرف إلا إذا كانت الجودة كافية. لنواصل مثالنا، قد يكون المصدر الأدنى جودة لكل دافع كالآتي:

• القوانين: الموقع الإلكتروني الرسمي لحكوماتكم. عندما حظرت حكومة مدينة نيويورك التجمعات التي تشمل أكثر من 500 شخصًا بالأمس، تحققت من الأمر في موقعها الرسمي. قد يكتفي آخرون بتلقي المعلومة من صحيفة حسنة السمعة وعدم التحقق من صحتها. فمصادر معلوماتك هي اختيار شخصي يعود إليك.

الأحداث: صحيفة حسنة السمعة تُفضلها. بالنسبة لي، أفضِّل الصحف التي تشتهر بتقصّيها السليم للحقائق. 

• البحث: عالِم أوبئة مؤهل ويمكنه الوصول إلى البيانات الكافية لجعل الاستدلال الحالي ينشر النتائج بثقة متوسطة إلى عالية في نتائجهم. وكوني عالمًا، قد أكون حذرًا جدًا عندما يتعلق الأمر بالثقة في المنشورات العلمية. وحين يثق بعض الناس في أي شيء يقوله أي عالم، تتطلب ثقتي بأي من ذلك مزيجًا من الخبرة والشهادات المعتمدة، بالإضافة للوصول إلى البيانات ذات الصلة، ومعرفة قوة الافتراضات مقابل قوة التأكيدات.

• المعايير الاجتماعية: شخص ما على تويتر؟ مصادر الإشارات الاجتماعية حول الأعراف الاجتماعية التي ستقبلها هي أمر شخصي جدًا، لذا لا أستطيع تقديم المشورة لك. بالنسبة للبعض، يكفي أن يقولها شخص عشوائي على مرمى السمع لكي يُصدَّق وقد ينتظر البعض الآخر حتى يكون في قسم آداب السلوك بجامعة هارڤَرد.

• نصيحة: لن أخبركم بمكان الحصول على مشورتكم الطبية، من طبيبك أو من يعادله في بلدك لـ مركز السيطرة على الأمراض (CDC) ، لكنني آمل أن تكون لديكم معايير.

• التكلفة: الموقع الإلكتروني للمسرح. إذا قالت إدارة المسرح إنهم سيعيدون تذكرتي سأقتنع أكثر مما لو قالت لي جارتي أنها سمعت إشاعة بأن التذاكر ستُسترد.

• تقدير المخاطر: مركز السيطرة على الأمراض مرة أخرى، إحصائي مطّلع يعمل ببيانات ذات صلة، أو ربما محاكاتي. نعم، كثير منا علماء بيانات يكتبون محاكاة (نماذج ألعاب العالم لرؤية كيف تسير الأمور بافتراضات مختلفة). تُغيّر عمليات المحاكاة التي نجريها  الافتراضات بناءً على منشورات العلماء الذين نثق بهم (أو نعثر على هذا الخطأ في ناموسنا).

• أخرى: بالنسبة لجميع الفئات، أنصحك بأن يكون لديك بعض معايير الجودة (مدى صرامتها يعتمد عليك) وأن تكون على دراية بمعاييرك. لا داعٍ للذعر ردًا على ثرثرة من مصدر لا يتطابق مع معيارك الشخصي لكل دافع . على سبيل المثال، إذا أخبرني والدي أن أفضل أصدقائي سيتبرأ مني إذا خرجت، فلن أشعر بالذعر، سأتصل بأفضل أصدقائي للتحقق.

تذكَّر أن هذه الأمثلة ليست اقتراحات (وهي مبنيَّة على ذوقي). ولم أفترض بهذا أن أخبركم كيف تعيشون حياتكم، غير أنني قد أحثكم على الوعي الذاتي. ويتحتَّم على كل واحدٍ منَّا أن يهيِّئ سلامنا بالطريقة التي نبني بها اتخاذ قرارنا.


الخطوة الخامسة: اجمع المعلومات

 

والآن بما أنك أتيتَ بأقلِّ عددٍ من العلامات التي يحتاجها العالم ليبعثكَ حتى تجري العديد من الإجراءات، ستجمع معلومات من مصادرك عالية الجودة (وستستمر في ذلك). وإن كان القرار مهمًّا، أنجز واجبكَ بدقة تمامًا. 

لاحظ أنني أطلب منك أن تفكِّرَ قبل النظر في المعلومات. ولهذا حُفظَت المعلومات المجمّعة سابقًا حتى الخطوة الخامسة. وإن أخذتَ في الحسبان العادات النموذجية للحيوان البشري، ستلاحظ أن معظم الناس لا يفعلونها بالطريقة هذه. لم إذن قد أطلب منك فعلها؟ 

يساعد التفكير في المعايير ووضعها قبل البحث عن المعلومات في منعك من التحيز التأكيدي. ولمعرفة المزيد في ذلك، ألقِ نظرة على مقالتي في اتخاذ القرار المُساق من البيانات. وبالطبع من الممكن أن تظهر الأشياء التي نسيت التصدِّي لها، ولذا عليك أن تتخذ قرارات قائمة على الوجود (اعرف أكثر عنها هنا). وحتى في هذه الحالات، التفكير قليلًا في أقل درجة من القوة والجودة لهذه المعلومات التي ستقبلها على أنها دافعٌ للإجراء قيِّمٌ للغاية.


الخطوة السادسة: تصرَّف أو (لا تتصرَّف)

 

إذا لم ترد أي معلومات ذات صلة، استمر في فعل ما كنت تسعى لفعله وحالما يُستحَثُّ إجراء آخر، بادر بتطبيقه. (ربما ستلاحظ أن بعض الإجراءات من المفترض أن تكون قد استُحثَّت بالفعل وأن هذه العملية قد ساعدتك في اللحاق بها).


المغزى من القصة 

 

فكِّر لوهلةٍ الآن .. تتوارد عليك المعلومات.

إذا قرأت ما سبقَ حتى هذا السطر،  وتعرف مَن قد يستفيد من هذه المعلومات، فيُرجى مشاركتها إياهم. أما الآن،  سأقاوم أن أقول نكتةً في النصائح التي تجعل الـ ڤيروس يتفشَّى سريعًا. 

وإن كنت ترغب في معرفة المزيد في هيكلة صنع القرار، قد تكون  مقدمة القرارات الاستخبارية المكان الأمثل للبدء.


ملحق اختبار الفرضية

 

وإن كنت معتادًا على الاستدلال الإحصائي الكلاسيكي، وتريد معرفة ما الذي حدث للفرضية الباطلة، فقد وضعت الملحق هنا.


بقلم: كاسي كوزيركوڤ | ترجمة: فريق ترجمات كلمة | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

Exit mobile version