عنوان الكتاب | مومو: رواية أسطورية |
مؤلف الكتاب | ميخائيل إنده – ترجمة: باهر الجوهري |
دار النشر | دار الفكر المعاصر |
سنة الطبعة | 2005 |
رقم الطبعة | 1 |
مومو.. أنقذي الزمن! تلك الفتاة الصغيرة التي تمضي خلف سلحفاة خضراء بطيئة.. هل شاهدتها؟ الرجال الرماديون والساعات المتناثرة في المباني والطرقات.. ترى، ما سرّها؟
حين أنهيتُ قراءة الرواية الأسطورية التي تحكي عن لغز الزمن “مومو”، تأليف الكاتب الألماني ميخائيل إنده وترجمة باهر الجوهري، وجدتُني أبحث عن المخيلات البصرية، وكيف عبّرت عن الرواية العالمية في أدب الطفل، اللطيفة والعميقة في آن، عبر أغلفة الإصدارات والترجمات العديدة لها. لقد وجدت في بحث سريع ما يربو عن 25 غلافًا متباينًا لهذه الرواية منها ثلاثة للترجمة العربية، وقبل أن أنقل حديث السرد البصري، تعالوا نتحدث عن الرواية نفسها! “مومو” طفلة صغيرة ذات مظهر غريب قليلًا، ظهرت فجأة في طلل مسرح مستدير بقرب إحدى المدن، لكنها أخبرت أهل المدينة أنها وجدت “هنا” منذ مئتي سنة وسنتين! لا تعرف لنفسها أهلًا ولا وطنًا غير هذا الطلل. كانت “مومو” تمتلك موهبة عجيبة، جذبت الأصدقاء إليها دون أن يدركوا كُنهها في البدء، فلا هي فتاة ساحرة ولا عازفة ولا حكيمة ولا قاصة ماهرة، “إن ما كانت تتقنه مومو الصغيرة أكثر من أي شخص آخر هو: الاستماع، ربما سيقول بعض القرّاء إن هذا ليس شيئًا فريدًا في خصوصيته، فكل فرد يستطيع الاستماع، ولكن هذا خطأ، فلا يستطيع الاستماع بحق إلا أناس قليلون جدًّا فقط، وإتقان مومو للاستماع، كان شيئًا فريدًا من نوعه تمامًا”. لقد كانت تتقن الاستماع بحيث يدرك فجأة أناسٌ حيارى أو مترددون بدقة تامة ماذا يريدون، بحيث يشعر الخجولون فجأة بالشجاعة، والتعساء بالبهجة، كان عليهم فقط أن يذهبوا إلى “مومو” ويحكون. كانت هذه السمة على النحو الذي رسمه ميخائيل تثير دهشة القارئ وتؤرجح مفاهيمه، وتجعله أمام سؤال في نفسه: هل هو جيد فعلًا في فضيلة الاستماع؟!
لقد أذهلني أن تبدأ الرواية بهذه الموهبة وتضفي عليها شيئًا خارج المألوف.. أن تطرح خصومات ونزاعات لا يحُلها إلا الاستماع! لقد استطاعت مومو أن تكوِّن صداقات كثيرة لاسيما مع الأطفال الذين كانوا يستمتعون باللعب في مسرحها وبالقرب منها.. يستمتعون بالوقت وتبتكر مخيلاتهم الألعاب، وهنا رأى الرجال الرماديون في مومو مصدر تهديد لهم، طفلة صغيرة تُهدد تجّار الزمن! كان الرجال الرماديون يقنعون الناس بأهمية توفير الزمن لوقت لاحق، وشيئًا فشيئًا لا يشعر الإنسان برحابة الوقت لديه، ينجز أعماله بسرعة، يأكل على عجل، يتحدث على عجل، كل ما حوله يسير على نحو يجعله يفقد الاستمتاع بالحياة طلبًا لحياة أخرى وفرّ لها من زمنه الحالي! لم يستطع الرجال الرماديون إقناع مومو بالانضمام إليهم، لم يستطيعوا إقناع الأطفال.. وهنا بدأت ملاحقة مومو من طرف السادة الرماديين.
ستأخذنا الحكاية لعالم أكثر سحرًا، إذ ستظهر كاسيوبايا سلحفاة الأستاذ أروا عدو الرجال الرماديين، وتأخذ مومو عبر مطاردة مقلقة إلى حيث الأستاذ أروا الذي سيخبر مومو عن سرّ الزمن. لقد كانت كاسيوبايا السلحفاة البطيئة تمتلك موهبة عجيبة هي قدرتها على رؤية المستقبل لنصف ساعة، هكذا استطاعت أن تنقذ مومو عبر طرقات المدينة لتصل آمنة إلى حيث ستدرك أن بمقدورها القضاء على الرجال الرماديين وإنقاذ الزمن، ما يعني إنقاذ حياة العالم وإرجاعها للمألوف حيث لكل شيء وقته المستحق.
رغم اختفاء مومو لسنة ويوم وطغيان أثر السادة الرماديين، لم ينسَ نينو والكناس العجوز بينو والمرشد السياحي جيجي صديقتهم مومو، لاسيما جيجي، الذي ترك لها رسالة رقيقة في غرفتها في المسرح الدائري، تؤكد أنه مهما كان الوقت ضيقًا، فحين نريد سنجد متسعًا لمن نحب! أما الأطفال فلم يعد لدى الكبار متسع من الوقت لرعايتهم، فأخذوا إلى مستودعات، وخلت منهم الطرق.
لم يعد أحد يقاوم الرجال الرماديين، غير أن مومو لم تستسلم.. لقد كان الزمن مشبعًا بالذكريات والأوقات الجميلة ولا يمكن التفريط بزمن شخص ما ليستفيد منه آخر، فالحياة هي طريقتنا في انتقاء ما نفعله بزمننا المتاح. حاولت مومو استثارة الكبار من خلال مظاهرات قام بها الأطفال، لكنها لم تجدِ نفعًا أمام بطش الرجال الرماديين. طارد السادة الرماديون مومو وكان هدفهم “زهور ساعات الزمن”، قالوا لها: “لقد سئمنا من جمع الساعات والدقائق والثواني على حدة من الناس، إننا نريد كل الزمن لكل الناس”. “الناس أصبحوا لا لزوم لهم منذ وقت طويل، هم أنفسهم تسببوا بألا يكون لأمثالهم مكان في الدنيا، ونحن سوف نسيطر على الدنيا”.
عادت مومو إلى الأستاذ أروا تمضي ببطء قاتل خلف كاسيوبايا صاحبة شعار “كلما زاد البطء زادت السرعة”! هناك، حيث بيت اللامكان، حيث يسري الزمن بالعكس، قرر أروا ومومو خوض صراع مصيري مع السادة الرماديين، قرروا ألا يمنحوهم زمن جميع البشر! وفهمت مومو سرّ “زهور الساعات”، وارتباطها بسجائر الرجال الرماديين.. وهناك قررت خوض المغامرة الخطيرة، إما إنقاذ الزمن وإما انتصار السادة الرماديين وهلاك البشر. زهرة واحدة، ساعة واحدة، سيوقف فيها أروا الزمن، ويستعين السادة الرماديون بمخزونهم، فإما أن تنجح مومو في منعهم من الوصول لمخزونهم، ما يعني إعادة زمن البشر الذي أُخذ منهم، وإما نجاحهم وفرض سيطرتهم الوجودية.. فهل نجحت مومو في ذلك؟!
أعجبتني شخصية كاسيوبايا، وهي لغز آخر مثير في الرواية، ودورها “البطيء” في إنقاذ العالم الذي أخذ ينزع إلى “السرعة”، ومن هنا كانت حاضرة في عدد من أغلفة الرواية بإصداراتها المتعددة..
لنعد إلى تلكم المخيلات التي رسمت لنا رموز رواية مومو، فالغلاف هو العتبة الأولى التي تجذب القارئ وتستحثه على طرح الأسئلة، وفي رواية مومو ثمة خمسة عناصر تحضر وتغيب في الأغلفة التي عاينتُها: مومو، كاسيوبايا، السادة الرماديون، الساعات، المباني. في غلافين حضرت الزهرة إحداهما لنسخة عربية، ولعل اللافت للنظر غياب شخصية مومو من بعض هذه الواجهات الرئيسة للرواية، والاكتفاء بظهور بارز للرجال الرماديين أو السلحفاة كاسيوبايا، كما أن هناك غيابًا لأصدقاء مومو.. غيابًا تامًا تقريبًا، ولعل ذلك إشارة إلى عمق أزمة مومو إذ بقيت وحيدة بعدما استطاع السادة الرماديون إقصاء أصدقائها من حولها.
أحيانًا ظهرت رموز الرواية بطريقة غير مستقلة عن اسم مومو أو المؤلف؛ فالساعات، التي تمثّل أبرز دالٍ على الزمن، ضُمِّنت داخل حرف (م/O)، والقبعة الرمادية وضعت بين اسم الكاتب الأول والثاني الذي كُتب هو الآخر بلون رمادي، فهل كان في ذلك إحالة إلى الحياة الصعبة التي عاشها ميخائيل أنده؟ لاسيما أن اللون الرمادي يشير إلى الشَّر.
ما أريد الانتهاء إليه، أن تعدد الأغلفة هو تعدد لطريقة قراءة عناصر الرواية واستشفاف الحمولات المعرفية التي تمتلئ بها وتثير في دواخلنا الأسئلة، وعرض هذه التعدادات للطفل القارئ يتيح فرصة لنقاشات متعددة وإبداعات في طرح الأفكار والبحث عن أيها أقرب إلى نفسه.. لا يمكن تحليل عتبة الغلاف في هذه المساحة لكن إثارتها ضرورة إبداعية في أدب الطفل أيًّا كان مصدره.. ترى أي غلاف جاء أقرب إلى نفسك؟
بقلم: خلود البوسعيدية