الكتاب: ذكريات من منزل الأموات
الكاتب: فيودور دوستويفسكي
دار النشر: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: الثانية 2017
ترجمة: د. سامي الدروبي
الصفحات: 432 صفحة
يجمع العمل بين الرواية والسيرة الذاتية والمذكرات، صدر للمرة الأولى في عام 1861. يعبّر فيه دوستويفسكي عن التجربة التي عاشها خلال نفيه للسجن في سيبيريا، ولكنه ينسبه لمذكرات شخص يدعى ألكسندر بتروفيتش جوريانتشكوف.
تعرض المذكرات مشاهد متفرقة للحياة التي عاشها السجين نفسه وحياة السجناء الآخرين، يبدأ بوصف أيامه الأولى في السجن ونظرة السجناء له كونه ينتمي لطبقة النبلاء، يصف بداياته في السجن بأنها شاقة رتيبة خانقة. يصف حياتهم بأن أحد أنواع العذاب النفسي هو السكن المشترك، وهو شيء عادي في الحياة، ولكنه رهيب جداً في السجن، وأن أحد مذاقات الحرية هو توكيل السجناء باختيار حصان لشرائه لهم حتى يساعدهم في أعمال السجن، بحيث أن أغلب السجناء كانوا يشعرون أن المال مالهم وهم يشترون الحصان لهم.
يصف بشاعة التعذيب النفسي والجسدي للسجناء
فالإنسان مهما يصغر شأنه ومهما يهبط قدرُه ومهما تهن قيمته، يحب بغريزته أن تُحتَرم كرامته من حيث هو إنسان. إن كل سجين يعرف حق المعرفة أنه سجين ويعرف حق المعرفة أنه منبوذ ممقوت مكروه، ويعرف المسافة التي تفصل بينه وبين رؤسائه. ولكن لا القضبان ولا الأغلال تنسيه أنه إنسان فلا بد أن يعاملَ إذن معاملة إنسانية
يركز دوستويفسكي على الجانب الإنساني ويقول أن الجلاد مثلاً حتى لو كان في داخله شخص طيب إلا أنه ما إن يمسك السوط حتى يتحول للقسوة، وأن بعض السجناء بالرغم من قسوة جريمته إلا أنه لا يعتبر نفسه مذنباً، و كيف أن بعض السجناء كانوا يعتبرون السجن ملاذا وراحة لهم من حياتهم خارجه، والسجن لبعضهم الآخر قاسٍ ومظلم جداً لدرجة أنهم يتمارضون حتى تتاح لهم الراحة ولو قليلاً بالرغم من الجو الخانق في المستشفى.
إحدى التفاصيل التي أسرتني بشكل كبير هي وصفه للعيد وترقّب السجناء له:
إن جميع الناس يأملون حدوث تغير ما، يأملون وقوع شيء خارق
وكيف أن هذا الأمل والفرح في بداية اليوم يتحول إلى يأس وخيبة وانكسار و يخيّم على السجن حزن كئيب في آخر اليوم وأن عيد الميلاد هو يوم شاق على السجين. وكذلك وصفه لحياة السجن بدون القراءة:
رباه! يا له من ضجر رهيب! يا له من سأم مميت! كانت الأيام طويلة خانقة رتيبة، كانت متشابهة تشابهاً فظيعاً! ليتني كنت أملك كتاباً على الأقل
وكيف أنه عندما أتيح له القراءة أخيرأً أخذ يقرأ الكلمات بعناية فائقة حتى لا يفوته أي تفصيل من حياة الحرية خارج السجن. وسعادته باقتراب نهاية سجنه:
أصبح قلبي يخفق خفقاناً سريعاً حين أستشعر اقتراب الحرية
يصف دوستويفسكي كيف أن السجن يهدر المواهب، و أن السجناء كلما كانت أمنياتهم شبه مستحيلة كلما تمسكوا بها أكثر وأخفوها عن غيرهم. كذلك ذكر في الكتاب السجين الذي اتهم بقتل أبيه، وهو يقصد به ديميتري فيدوروفيتش الذي تناول قصته في (الأخوة كارامازوف)
الذكريات المدونة في هذا الكتاب مؤثرة جداً ليس فقط من ناحية التعاطف مع السجناء والمحرومين فحسب ولكنني أؤمن أن في داخل كل إنسان هناك مكان أو فكرة يعتبرها سجناً لذلك دوستويفسكي يعبّر عن أفكار النفس الإنسانية بعبقرية تامة.
جاءت ترجمة سامي الدروبي متوافقة مع أسلوب دوستويفسكي بتأثيرها وعذوبتها، إلا أن بعض الفصول مثل (المشاعر الأولى) و (المستشفى) جاءت مقسمة لفصلين إذ نجد تتمة لكل منهما في فصل لاحق، من رأيي كان الأحرى أن تجمع في فصل واحد إذا لا حاجة لفصلها، وكذلك بعض الشخصيات وضعت بأسماء مقتضبة مثل : بـ….كي و ز…سكي وغيرهم، وأغلب هؤلاء هم سجناء سياسيون صادفهم المؤلف في السجن لذلك لم توضع أسماؤهم كاملة، ولكن لو اكتفى المترجم بالإشارة إلى هذه النقطة في المقدمة بدلاً من وضع هوامش تعريفية في كل صفحة ترد فيه أسماؤهم لكان ذلك أفضل. الرواية بشكل عام رائعة جداً وإنسانية أنصحكم بقراءتها.