عنوان الكتاب: الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق
تحرير: إريك برونسون وجريجوري باشام
ترجمة: شيماء طه الريدي
دار النشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
سنة الطبعة: 2015
رقم الطبعة: الأولى
ترى ماذا بوسع هوبيت ضئيل انتشل من البيت والراحة أن يفعل في وجه المغامرة؟!
يُقدِّم كتاب “الهوبيت والفلسفة” نظرة فلسفية جديدة لشخصيات رواية “الهوبيت” للروائي البريطاني تولكين (1973)، “ويستكشف مجموعة من الأسئلة العميقة التي تثيرها الرواية: هل المغامرات مجرد “أشياء بغيضة ومزعجة وغير مريحة تجعلك تتأخر عن موعد العشاء” كما يصفها بيلبو، أم من الممكن أن تكون تجارب مثيرة تغيِّر حياة الإنسان؟ ما الواجبات التي تفرضها الصداقة؟ وهل ينبغي أن تمتد آفاق الرحمة لتظل بظلالها حتى أولئك الذين يستحقون الموت؟”.
في هذا الكتاب، الذي حرَّره كلٌّ من جريجوري باشام وإريك برونسون، سيقدِّم عددٌ من الفلاسفة الباحثين قراءتهم لشخصيات محورية في الرواية لاسيما “بيلبو باجنز”، و”جاندالف”، و”جولوم”، و”ثورين”، وسيتطرقون إلى أسئلة فلسفية عميقة عن الحبِّ والشجاعة والفخر، عن الحرب والقَدَر والإرادة، عن الموسيقى والرياضة واللعب أيضًا!
في نحو 268 صفحة تنقسم إلى أربعة محاور، جاءت بهذه العناوين: اكتشف الجانب المغامر داخلك، الطيب والشرير والملطخ بالوحل، الألغاز والخواتم، الذهاب والعودة من جديد.
تحت هذه المحاور تندرج مجموعة من الأوراق البحثية، تناقش كاتب الرواية “تولكين” وتنبش أغوار شخصيات الهوبيت: “بيلبو”، والأقزام “ثورين” ورفاقه، والساحر “جاندالف”، من خلال بناءاتها الفلسفية ومآلاتها السردية، متسمة في طرحها بالسلاسة وعرض الأفكار التي تدفعك للوقوف تأملًا تارة فيما غفلتَ عنه من عمقٍ في الرواية، والاندهاش تارة مما تكشَّف لك في نفسك من تشابهٍ مع هذا “الهوبيت” المغامر!
يستهل باشام الكتاب بالحديث عن “الهوبيت المغامر”، ويعرض تطوُّر شخصية “بيلبو” عبر مساره السردي؛ فرغم أنه من “الهوبيت” وهم بطبيعتهم “محبون للسلام والهدوء والأرض الجيدة المحروثة”، فقد قبل بخوض المغامرة وانضم إلى رحلة الأقزام. لقد نما “بيلبو” خلال هذه الرحلة على صعيد الحكمة والفضيلة أيضًا، فبيلبو “الجشع” تخلى عن حجر الأركنستون الثمين، ورفض الحصول على أكثر من صندوقين صغيرين من الكنز قام بتوزيعهما عندما عاد إلى وطنه!
أمام هذا التحوُّل يؤكِّد باشام أن المغامرات الصعبة تعزز التطوُّر الأخلاقي لدينا، ويذكر أن التحوُّلات الأخلاقية الكبرى غالبًا ما تحدُث “حين يقع في حياتنا شيء صادم أو مؤلم. ففي حال وفاة أحد الأحباء، أو التَّعرض لحادث كاد يقضي علينا، أو المرور بظروف اجتماعية متدنية؛ تجدنا نُعيد تقييم حياتنا ونعزم أمرنا على التغيير”!
في الفصل الثامن يتحدث جونسون عن “حرب تولكين العادلة”، طارحًا قضية حاجتنا للحرب حينما ندافع عن أرواحنا ضمن مُدمِّر، ورفضنا لحتميتها في الآن ذاته! ويشير إلى أن أعمال تولكين الخيالية زاخرة بالمعارك كمعركة الجيوش الخمسة في “الهوبيت” والمعارك الثلاث العظيمة في “سيد الخواتم”، فهل كانت حروب “تولكين” من أجل “الكنز” عادلة بناء على المبادئ الأخلاقية للحرب؟ أليس هذ السؤال الذي يندفع إلى فكرنا كلما شهدنا شرارة حربٍ تتوقَّد؟
بعيدًا عن زخم نقاش جونسون حول عدالة “الحرب” أو عدمها؛ نجده يخبرنا في النهاية بأن تولكين كان يؤمن، بما نجدنا نفكر به أيضًا، أن “هناك بعض الخير في العالم… وهو يستحق أن نحارب من أجله”.
لقد استوقفتني ضمن هذا التدفق الفلسفي مواضع أخرى كحديث برونسون عن تعلُّق الهوبيت بالأماكن، ورؤيته أن “الأشخاص الذين يتفهمون ارتباطهم بمكانهم غالبًا ما يكونون أكثر عقلانية وإدراكًا وأقل شعورًا بالانفصال والعزلة”!. وحديث تالون عن الفن والجمال في عوالم “الهوبيت” والأقزام والجآن، إذ يبرع الهوبيت في فن تعبئة الغليون وفن الطبخ، وهناك غناء الأقزام الجميل الذي استمتع به بيلبو، أما الجآن فهم “فنانون في الأساس” يبحثون عن “الفن وليس القوة”، وإذ يُحلل تالون اهتمام تولكين بالفن والجمال، نجده يخبرنا أن الإبداع الفني “دلالة على أن بإمكاننا أن نحب شيئًا آخر سوى أنفسنا”.
ولعل وقوف أوهارا عند “الهوبيت واللعب” كان مثار استغراب واستحسان، ففي رواية حافلة بالخطر لم ينسَ الكاتب أن يلقي بالضوء على ألعاب الهوبيت والأقزام والعمالقة والجن أيضًا!، ولكن ما الذي تقدِّمه هذه الألعاب لحياة هذه الشخصيات؟ وهل اللعب هو افتقار للجدية؟ وهل في اللعب خير؟ في الحقيقة يقدِّم لنا أوهارا إجابة ممتعة ومقنعة عن ذلك.
إن أي عمل أدبي هو عرضة لقراءات مختلفة، وأي قراءة من هذه القراءات تمنح الآخر إذنًا بالاختلاف أو الاتفاق مع طروحاتها، أرى أن قارئ الكتاب سيجد نفسه في كلِّ فصل يدافع عن حقيقة فكرة ما أو يتحيّر منها! ولعل أقرب حقيقة ستظل تستوقف القارئ هي التحوّل الذي سيلحق بحياته فور أن يخرج من البيت.
لقد كانت رحلة بيلبو هي رحلة الخروج من البيت، وهذه الرحلة، التي تؤكد عليها حكايات خيالية كثيرة منها الحكايات العجيبة العالمية، تخبرنا دائمًا بأننا حين نغادر البيت “نخاطر ببراءتنا”، يقول كراوس في الفصل الأخير من الكتاب: “ربما علينا نحن من ترك طفولتنا وراءنا، نحن من قرأ ما هو قادم بعد “الهوبيت”، أن نصغي للصغار الذين يعلمون بطريقة تعلو عن الوصف أن لا عودة للطفولة.
ربما علينا أن نفكِّر أنه على الرغم من أن بيلبو “قد ظل في غاية السعادة حتى نهاية حياته” ربما كان سيصبح أكثر سعادة لو أنه ـ على افتراض أن جاندالف قد عثر على شخص آخر يحارب التنانين ـ قد ظلَّ في منزله المريح تاركًا تجربة المغامرة لشخص آخر”!
فكيف ترى نفسك أمام بيلبو؟ هل ستظل تخرج لمحاربة التنانين؟ لعل قراءة الكتاب ستضيء لك الطريق!